حقوق الإنسان خيار استراتيجي للمغرب...تكريس سمو الاتفاقيات الدولية، تثبيت أسس الدولة الاجتماعية و العفو عن المحكومين بالإعدام.
يستمر المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، في تكريس دولة الحق و المؤسسات، و تعزيز موقعه الحقوقي إقليميا و دوليا،و ذلك من خلال قرارات و إشارات سياسية واضحة تتناغم مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.
بالإضافة إلى محاور أخرى في الخطاب الملكي، نستخلص بعض من النقاط التي تخص الشأن الحقوقي، و نتقاسمها معا كدرس قوي لبناء مغرب المستقبل.
1.الانتصار للحق في الحياة، خطوة أخرى في إتجاه إلغاء عقوبة الإعدام.
أصدر جلالة الملك، بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، عفوه عن عدد من المحكومين بالإعدام، بتحويل 23 حكما إلى عقوبات سجنية،في خطوة لاقت ترحيبا واسعا من قبل الهيآت الحقوقية الدولية و الوطنية.
هذا العفو يعتبر مؤشرا قويا على الإنخراط الفعلي للمملكة في تعزيز الحق في الحياة،و هو الحق الذي يكرسه الفصل 20 من الدستور المغربي، حيث تحظى به الحقوق و الحريات بباب كامل.
و رغم أن تنفيذ أحكام الإعدام توقف فعليا منذ 1994, الا أن المبادرة الملكية تمثل دفعة قوية للنقاش المجتمعي حول إلغاء عقوبة الاعدام و تعزز النهج الإنساني التي يسعى المغرب ان يجعله من أهم مقاربات العدالة الجنائية.
2. تنزيل الاتفاقيات الدولية الملتزم بها.
ينص الفصل 55 من دستور المملكة على أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب تسمو على التشريعات الوطنية، مما يعكس إرادة واضحة في تكييف المنظومة القانونية مع الالتزامات الدولية. وفي هذا الإطار، نذكر أن المغرب صادق منذ 1979، و دون أي تحفظ، على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و الذي يلزم الدول الأعضاء بضمان الحق في الصحة، والتعليم، والعمل، والحماية الاجتماعية...
وهذا ما تترجمه اليوم الارادة الملكية و النموذج التنموي الجديد و السياسات العمومية، من خلال العمل على تنزيل برامج اجتماعية كبرى تتماشى مع العهد الدولي، و تستهدف الفئات الهشة والمحرومة، ضمن رؤية شاملة لبناء الدولة الاجتماعية التي تجعل من المواطن قطب الرحى.
الدولة الاجتماعية: إصلاحات جذرية من أجل العدالة والكرامة.
في خطاب عيد العرش، أبرز جلالة الملك التقدم الملحوظ في مؤشرات التنمية البشرية، حيث تراجعت نسبة الفقر متعدد الأبعاد من 11.9٪ سنة 2014 إلى 6.8٪ سنة 2024، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
كما انتقل المغرب إلى فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية، حسب تصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ومع ذلك، أكد جلالته بصراحة و واقعية أن هذه الإنجازات لا تعني الرضا، بقوله:
"لن أكون راضيا مهما بلغ مستوى التنمية، إن لم تترجم إلى تحسين ملموس لحياة المواطنين".
هذا التعبير يجسد بوضوح جوهر المشروع الملكي: تنمية من أجل الإنسان، لا من أجل الأرقام فقط, و شفافية في التعامل مع واقع مغربي نسعى دائما للارتقاء به رغم الصعوبات.
إن إحترام التعهدات الحقوقية للمملكة يتجسد فعليا في خطاب العرش.
3. تأهيل المجالات الترابية في ضوء أهداف التنمية المستدامة (ODD).
إنسجاما مع التزامات المملكة ضمن أجندة 2030 للأمم المتحدة، دعا جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2025 إلى تسريع ورش العدالة المجالية، عبر إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، بما يضمن خلق مدن ومجالات مستدامة تراعي الخصوصيات المحلية، وتحقق التوازن بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.....
وتأتي هذه الدعوة الملكية كترجمة لرؤية إستراتيجية،
تكرس الجهوية المتقدمة كمحرك للتنمية الشاملة، وتعزز دور الجماعات الترابية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (ODD)، لا سيما في العالم القروي والمناطق الحدودية.
مما يعتبر إنسجاما مع الهدف الخاص بالمدن ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ( الهدف رقم 11، مدن ومجتمعات محلية مستدامة).
خاتمة
إن الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد ليست فقط مناسبة وطنية للاحتفاء بإنجازات عهد جلالة الملك محمد السادس، بل هي لحظة لتقييم المسار الحقوقي للمملكة، الذي عرف تطورا لافتا من خلال مبادرات ملموسة تتجاوز الشعارات، وتؤسس لنموذج تنموي مغربي خاص، قاعدته الإنسان وكرامته.
فمن تعزيز الحق في الحياة، إلى الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وتكريس العدالة المجالية، و السير قدما نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يؤكد المغرب، ملكا وشعبا، أن احترام حقوق الإنسان ليس خيارا ظرفيا، بل مسارا استراتيجيا يؤسس لمستقبل أكثر عدلا و إنصافا.