بدايةً، العنوان اعلاه عبارة عن تساؤل طريف، وخفيف الظل، طرحه الدكتور عبد الرحيم المنار أسليمي، كعنوان لإحدى حلقاته الأخيرة، مع الاعتذار له عن هذه الخطفة غير المقصودة!!
والحال ان الجزائريين نظاماً حاكماً، بكابراناته العجزة، ورئيسه الدمية، البهلوان، تسري فيهم جميعا دماء الحِمية، حِمية الجاهلية الأولى، ويسري فيهم النيف الخاوي، ويبدأون في تشغيل قنوات تصريفهم الصحي، المسماة إعلامية، بمجرد سماعهم لخطاب ملكي، مغربي، أو لمجرد إخبارهم بأن ملك جارِهم الغربي سيلقي خطاباً بمناسبة من المناسبات، لأنهم لا ينتظرون في العادة سماع الخطاب ذاته، بل يشرعون رأسا في إعداد ردود أفعالهم وتحليلاتهم النشاز وتقوّلاتهم في كل ما يتعلق بالمغرب والمخزن المغربي، ولذلك غالبا ما تأتي ردود أفعالهم منسوخة ومنقولة عن سابقاتها، ولا علاقة لها بالتالي بموضوع الخطاب الملكي المعني، إلاّ بالصدفة، وفي بعض جزئياته الصغرى!!
ذلك، أنهم يفترضون مسبقا أن الخطاب سيسبب لهم أضرارا بالغة تصيب نفوسهم العليلة، حتى لو كانت موضوعاته منصبة فقط لا غير، على شؤون مغربية داخلية ذات صلة بالتنمية، أو بمشاريع استثمارية عملاقة في طور التقعيد، أو بأي شيء آخر، أو حتى بلاشيء البتة... لأن ذلك كله فيه مساس بالطول والعرض بالسيادة الوطنية في ذلك البلد، الذي قدم الدليل القاطع، للعالم برمته، على أنه لا يعرف شيئا عن مفهوم السيادة الوطنية كاصطلاح سياسي، ما كان وليدَ اليوم بأي حال من الأحوال، فبالأحرى أن يعرفوا شيئا عن مدلول السيادة في القانون الدستوري، وفي تقارير ومعاهدات واتفاقيات المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومختلف مؤسساتها ذات الصلة!!
ملك المغرب سيخطب غداً، إذن سنكون أكبر المتضررين من آثار ذلك الخطاب، هكذا بالبداهة... "إيوا حيّدها ليهم من مخاخهم"!!
ولأنهم شديدو الحساسية تجاه كل الخطب الملكية، المغربية، فإنهم يجتهدون بكل معنى الكلمة في فهم كل ما يتفوه به ملك المغرب حتى قبل أن يصدر عنه بالفعل، ويفهمونه حتى لو ألغى الملك خطابه، وحتّى لو بدا له أن يغير موضوع الخطاب بمائة وثمانين درجة... هم يفهمونه وكفى!!
بالمقابل، وهنا طاح الريال، يعلم الجزائريون، بمن فيهم كابراناتهم، بأن خطب رئيسهم المعيّن تعرف قطيعة تامةً مع الواقع، وبالتالي مع ما يعيشونه، اليوم، وما سيلقونه ويعيشونه في غدهم، لأنهم يعلمون علم اليقين أن رئيسهم يخرج كل يوم من خيمته مائلاً، وبالتالي تكون خطبه كلها عبارة عن تعثّرات وسقطات في حفر من الكذب والبهتان والعَبَث، من الأكيد أنها جعلت الشيطان المُقَيّض له يقدم استقالته بكل أريحية، ويتكئ على جنبه الأيمن للتفرج على ما يَفُوق سعيه وقدراته الإبليسية، التي تَفَوّق عليها الرئيس المحظوظ بهرطقاته السريالية، فتبوّأ بفضلها أرقى مكانة في عالم الافتراء والفذلكة!!
الغريب في هذا، كل الغرابة، أن الشعب الجزائري ما زال لم يخرج إلى الشارع في حركة عصيان مدني، ويبدو مِن أغرب مفارقات هذا العصر أن هذه الحركة لم تحدث لحد لحظة كتابة هذه السطور!!
لأجل ذلك، لا يفهم أي جزائري ما يرطن به رئيس الدولة الجزائرية، مع نفسه، أو في حضرة صحافيين لا يعرفون شيئا عن كيفية طرح الأسئلة السياسية والدبلوماسية والحَكامية على رئيسهم، لأنهم أساساً لم يحاطوا علماً، أثناء تكوينهم لارتكاب تلك المهنة العصيّة والعصيبة، بمفاهيم معرفية كالسياسية والدبلوماسيا والحكامة!!
في آخر حوار أجراه الرئيس عبد المجيد تبون مع هذا النوع العقيم من الصحافيين، طرح عليه أحد محاوريه سؤالا حول أمر فيه مساس بالسيادة الوطنية؟ فأجابه الرئيس بسؤال عمّاذا يعرفه السائل نفسه عن ذلك الأمر؟ فكان جواب هذا الأخير ذا علاقة بأمر آخر ثالث، لا صلة له بسؤاله هو ولا بسؤال رئيسه، ليتضح للمتتبعين، ولنا جميعاً بتحصيل الحاصل، أن السائل والمسؤول لا يعلمان معاً أيَّ شيء عما جرى تداوله بينهما في ذلك اللقاء، الذي أشّر، فقط لا غير، على جهل مزدوج لدى الطرفين معاً، الصحافيون ورئيس دولتهم، وليتضح للعالم لماذا يفهم الجزائريون رئيساً ونظاماً وشعباً كل الخطب الصادرة عن ملك المغرب، دون أن يفقهوا قيد شعرة من خطب رئيسهم وحواراته، الملئى بالكذب... والكذب... ولا شيء غير الكذب... ومن يرى غير هذا فليقابلني!!!
محمد عزيز الوكيلي /إطار تربوي متقاعد