نايف شرار: الدرهم المغربي... إفريقي

نايف شرار: الدرهم المغربي... إفريقي نايف شرار
تُسجّل الدراسات الاقتصادية أن المغرب اليوم يحتل المرتبة الأولى إفريقيًّا في حجم الاستثمارات بمنطقة غرب إفريقيا، كما يُعَد ثاني أكبر مستثمر في القارة بعد دولة جنوب إفريقيا، باستثمارات قفزت من 100 مليون دولار عام 2014 إلى 2.8 مليار دولار في عام 2024. وهي استثمارات عملاقة تقودها شركات مغربية كبرى مثل: اتصالات المغرب، والبنوك الثلاثة: التجاري وفا بنك، بنك أفريقيا، والبنك الشعبي، وهي مؤسسات استثمارية أصبحت منتشرة في أكثر من 20 دولة إفريقية.
 
ويرتبط الدرهم المغربي بسلة عملات تتوزع بنسبة 60% لليورو و40% للدولار، وهو ما يمنحه استقرارًا نسبيًّا أمام تقلبات السوق المالية العالمية. وقد حقق المغرب نموًّا فاق التوقعات بنسبة 5%، أهّله لخفض نسبة التضخم بـ66% سنة 2022، لتستقرّ عند 1.5% فقط مع بداية العام الجاري: 2025.
 
وفي الوقت نفسه، بلغ احتياطي المغرب من النقد الأجنبي في منتصف عام 2025 نحو 42 مليار دولار. كما حرص المغرب على تعزيز علاقاته الاقتصادية والسياسية مع عدد من دول جنوب الصحراء، مثل: موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، والسنغال، وهو ما انعكس إيجابًا على السوق التجارية المغربية.

فموريتانيا مُصنّفة ثالثة في ترتيب شركاء المغرب التجاريين، بحجم مبادلات بلغ 360 مليون دولار سنويًّا، أما جمهورية مالي، فقد فتحت أبوابها لاستثمارات مغربية هائلة، خاصة في قطاعي الاتصالات والبنوك، في حين تنشط في السنغال أكثر من 70 شركة مغربية تعمل في مجالات البناء والطاقة والزراعة.

أما النيجر وبوركينا فاسو، فالمغرب يُعَد شريكًا محتملاً لديهما عبر التحالف الساحلي الأطلسي الجديد، وذلك بعد خروج هذه الدول من مجموعة (الإيكواس).
 
وتخشى فرنسا وبعض دول غرب إفريقيا فقدان السيطرة على مصالحها في المنطقة، خاصة في ظل الصعوبة التي تواجهها تلك الدول في التحرر من نظام الفرنك الإفريقي، الذي لا يزال تحت وصاية الخزانة الفرنسية.
 
ويبدو في الأفق حلمٌ اقتصادي بأن يصبح الدرهم المغربي عملة إقليمية تقود غرب إفريقيا نحو الاستقرار والنمو، رغم ما تواجهه المنطقة من تحديات.
 
وجدير بالذكر أن الملك محمد السادس يراهن على انفتاح بلاده على القارة الإفريقية، بهدف استثمار الموارد الذاتية لتحقيق تنمية شاملة وإقلاع اقتصادي. وقد أكّد في خطابه بأديس أبابا يوم الثلاثاء 17 يناير 2017، قائلًا: «إن منظورنا للتعاون جنوب-جنوب واضح وثابت: فبلدي يتقاسم ما لديه، دون مباهاة أو تفاخر. وهكذا، وباعتماده على التعاون البنّاء، سيُصبح المغرب، وهو فاعل اقتصادي رائد في إفريقيا، داعمًا للتنمية المشتركة».
 
وهو التوجّه نفسه الذي خاطب به الملك أعضاء القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الرواندية كيغالي حول منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية يوم الأربعاء 21 مارس 2018، حين قال:«إننا بصدد بناء إفريقيا الغد، التي سيرثها أبناؤنا من بعدنا. ونحن، إذ نقيم صرحها على أسس اقتصادية متينة، فإنما نسعى بذلك إلى أن تعود خيراتها بالنفع العميم على الشعوب الإفريقية بالدرجة الأولى. وإذا كنا قد قطعنا أشواطًا مهمة في بناء إفريقيا المستقبل وتأهيلها لتتولى زمام أمورها، فإننا مطالبون أيضًا بقطع أشواط أخرى على نفس الدرب، حتى لا تظل تنميتنا الاقتصادية رهينة أهواء وإرادات خارجية».
 
وبعودة المغرب إلى البيت الإفريقي بعد غياب طويل فرضته ظروف سياسية خاصة، يكون قد دشّن مسارًا تنمويًّا جديدًا، يسعى إلى ربط إفريقيا بجذورها العميقة أولًا، ثم انفتاحها على دول ضفّتي المحيط، شمالًا وغربًا، بما يُعزز اقتصاداتها، ويُهيّئ بناها التحتية، ويُحقق سيادتها المالية والتجارية.
 
وفي هذا الصدد، قاد المغرب ثورة تنموية كبرى في إفريقيا، عبر إطلاق عدة مشاريع مهيكلة، مثل: خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، والمبادرة الأطلسية لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية. وهي مشاريع - من بين أخرى - في مجالات الطاقات المتجددة، والزراعة المستدامة، والخدمات المالية، والمقاولات العامة، وذلك تعزيزًا للتكامل القاري والتنمية المستدامة.