لطالما تغنّى النظام الجزائري بشعار: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، ولا تتوانى القنوات العمومية عن إبراز مواقف الجزائر التي تُقدَّم على أنها ثابتة من القضية الفلسطينية، ومن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والعودة وبناء دولته المستقلة. وتستشهد هذه القنوات بأن إعلان الدولة الفلسطينية، الذي تلاه الشاعر الراحل محمود درويش سنة 1989، تم من العاصمة الجزائرية.
وبحسب ما يدّعيه الإعلام الرسمي الموجَّه، فقد كانت الجزائر إلى جانب كل من اليمن وليبيا وسوريا تُشكّل ما سُمّي بـ"جبهة الصمود والتحدي"، وهي الجبهة التي تلاشت لاحقًا نتيجة السقوط المدوي للعديد من أنظمتها، بسبب تمرد شعوبها وسقوط ورقة التوت التي كانت تستر جرائم هذه الأنظمة.
ورغم ادعاءات النظام الجزائري بمساندته للشعب الفلسطيني ورفضه لما يتعرض له سكان غزة من تطهير عرقي وتجويع وإبادة جماعية، إلا أنه في الوقت نفسه يمارس القمع في الداخل. فقد قمعت قوات الأمن الجزائري الحركات الاحتجاجية والمسيرات المتضامنة مع غزة، وآخرها ما وقع، الجمعة 25يوليوز2025 بالعاصمة الجزائرية، حيث منعت المسيرات الشعبية من التقدّم نحو الشوارع الرئيسية، بل واعتقلت العديد من المشاركين، ولفّقت لهم تُهم الإخلال بالنظام العام.
ويبدو أن ما يخشاه النظام الجزائري فعلاً هو أن تتحوّل هذه المسيرات الداعمة لفلسطين إلى احتجاجات ضد النظام نفسه، بالنظر إلى منسوب الاحتقان الاجتماعي الذي بلغ ذروته، وأيضًا في ظل العزلة التي يعيشها هذا النظام إقليميًا وعربيًا ودوليًا، والتي وصلت حدّ منع أكثر من 44 شخصية جزائرية من الاستفادة من الامتيازات الدبلوماسية من طرف وزير الداخلية الفرنسي. والعدد مرشح للارتفاع، بل قد تصل العقوبات إلى حدّ تجميد أصول العديد من المسؤولين الجزائريين الذين استثمروا أموالًا منهوبة من بلدهم في فرنسا. ولا شك أن فرنسا، أكثر من غيرها، على دراية بثروات الجنرالات الجزائريين في بنوكها، ولن تتردد في مصادرتها.
والغريب في الأمر أن الجزائر، وعلى غير عادتها، هدّدت باللجوء إلى الأمم المتحدة لثني فرنسا – العضو الدائم في مجلس الأمن، والذي يمتلك حق النقض – عن اتخاذ هذه الإجراءات. وكما يقول المثل الشعبي: "طاحت الصومعة، علّقوا الحجام!"