من هو المؤهل قانونًا لإبرام عقود بيع العقار في المغرب؟
هذا السؤال عاد بقوة إلى دائرة النقاش القانوني والمهني بعد إعلان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن توجه حكومي لحصر صلاحية إبرام عقود بيع العقارات في يد الموثقين والعدول فقط، واستبعاد المحامين من هذه المهمة التي كانوا يتولونها ضمنًا بموجب تفويض من الأطراف، وهو ما أعاد إلى الواجهة المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، باعتبارها النص التشريعي المركزي المؤطر لإبرام ونفاذ المعاملات العقارية، وهو ما سأتناوله بإيجاز من خلال الملاحظات التالية:
تنص المادة 4 من مدونة الحقوق العينية المغربية على أن:
"يجب، تحت طائلة البطلان، تحرير جميع التصرفات الواردة على العقار أو الحقوق العينية الأخرى المرتبطة به بعقد رسمي محرر من قبل جهة مؤهلة قانونا، أو بعقد ثابت التاريخ محرر من قبل محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ...".
وتُعتبر هذه المادة، منذ صدور المدونة سنة 2011، بمثابة حجر الزاوية في ضمان وضوح المعاملات العقارية وشفافيتها، إذ شددت على أن التصرفات في العقار لا تكون صحيحة ولا نافذة إلا إذا تم توثيقها كتابيًا وبشكل رسمي، من طرف إما:
نلاحظ هنا الاعتراف ضمنًا للمحامين، وخاصة من خلال عبارة "عقد ثابت التاريخ"، إذ فتح المجال أمام ممارسة عملية لإبرام بعض العقود من طرفهم، رغم أنها لم تكن مطبقة على نطاق واسع كالعدول والموثقين.
وفق تصريح وزير العدل عبداللطيف وهبي، فإن القرار الجديد يأتي في إطار إصلاح شامل للمنظومة العقارية، ويهدف إلى:
ويلاحظ أن الوزير لم يستند إلى نص قانوني جديد، بل يمارس تأويلاً تضييقيًا للمادة 4، يقصي المحامين من دائرة "الجهات المؤهلة قانونًا"، ويقصرها على الموثقين والعدول. وهو ما قد يُعتبر بمثابة تفسير وزاري ملزم للإدارة، لكنه في حاجة إلى ترجمة قانونية واضحة في تعديل تشريعي لاحق، خصوصًا أن المادة 4 لا تنص صراحة على حصر هذه الصلاحية في جهة دون أخرى.
وفي هذا الإطار، أشارت بعض التعليقات الحقوقية إلى أن القرار الوزاري لا يمكن أن يعدّل من تلقاء ذاته نطاق تطبيق نص قانوني صريح، ما لم يتم تعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية نفسها.
ثالثًا: نحو تعديل مرتقب للمادة 4 - الحاجة إلى صياغة قانونية دقيقة:
التعديل المرتقب للمادة 4 يجب أن يُراعي:
1) الوضعية المهنية للمحامين، خاصة أنهم يُعتبرون من المهن القضائية المنظمة بنصوص قانونية ويمارسون مسؤوليات توثيقية في بعض الحالات.
2) حماية حقوق الأطراف الذين تعاقدوا في السابق بموجب عقود محررة من طرف محامين، لتفادي إثارة النزاعات حول صحة العقود السابقة
3) وضوح جهة التوثيق، حتى لا يبقى المجال مفتوحًا أمام التأويلات التي تزعزع الأمن التعاقدي.
وبالتالي، فإن أي تعديل يجب أن يُحدّد بدقة:
نحو إصلاح متكامل أم نحو تهميش مقنّع؟
بين التفسير الإداري والتعديل التشريعي، يبقى النقاش حول حصرية توثيق العقود العقارية بين يدي الموثقين والعدول قضية تمس جوهر الأمن التعاقدي في المغرب، وتطرح سؤالًا محوريًا: هل نحتاج إلى توسيع الصلاحيات أم إلى إحكام الاختصاصات؟ وبالتالي هل ستكون المادة 4 من مدونة الحقوق العينية قادرة، بعد التعديل، على إعادة رسم خريطة التوثيق العقاري بما يضمن العدالة والشفافية ويصون الحقوق؟
خديجة الشرقاوي - باحثة دكتوراه