قبل أسابيع قليلة، بلغ شدّ الحبل وجذبه بين النظام الجزائري والاتحاد الأوروبي أوجَه وقمّتَه، خاصةً بعد أن ارتاحت ماما فرنسا إلى دور المتفرج، بل المتمتّع بالفرجة إلى أقصى الحدود، رافعة بذلك يديها عن ابنتها البيولوجية، بعد أن أبدت هذه تجاهها أشدّ ألوان العقوق!!
المستثمرون الفرنسيون والأوروبيون، والمصدّرون منهم خاصة، ضاقوا ذرعا بعنتريات الكابرانات الفارغة، وبدأوا يحصون خسائرهم بسبب القيود التي فرضتها سلطات الموراديا على سلعهم ومنتجاتهم، وبسبب تَلكُّئِها في الوفاء بالتزاماتها المسطّرة في اتفاقيات تزويد أوروبا بالغاز الجزائري... فماذا كانت النتيجة المنطقية والحتمية؟
مبادرة الاتحاد الأوروبي، عبر برلمانه، إلى تصنيف الجزائر دولةً راعية للإرهاب، ومتّهَمة بممارسة كل أشكال غسيل الأموال، سواء المنهوبة، أو المُحَصَّلة من الاتجار في المخدرات الصلبة وفي البشر، وهكذا وبين كل أسبوع وآخر، ابتعدت الشقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، بما يكفي ليعمّق عزلتها، ويزيدها إحساساً مريراً باندحاراتها المتتالية أمام المغرب سياسبا، ودبلوماسيا، واقتصاديا، فضلا عن الفارق المُهْوِل بين الجارين المغاربيين على صعيد التجارة والصناعة والثقافة والرياضة والفنون... وحَدِِّثْ في كل هذه المجالات وغيرِها ولا حَرَج!!
والآن، وبعد أن لجأ الاتحاد الأوروبي إلى تنشيط آلية التحكيم الأوروبية، وربما أيضاً الدولية، فيما يشكل تهديدا مباشراً لاقتصاد يوشك فعلا على الانهيار القطعي، لم يجد عجزة الموراديا ما يفعلونه لتدارك الأمر سوى الدعوة لعقد اجتماع مجلس الجمعيات، conseil des associations، لعلهم يستطيعون من خلال هذا المجلس، غير الحكومي، أن يسجلوا تنازلات وتراجعات ينسبونها والحالةُ هذه إلى المجتمع المدني، لأنهم لا يملكون الجرأة ولا الشجاعة للاعتراف بسوء تدبيرهم كدولة، وكنظام حكم، علما بأنهم أساساً لا يستوفون أدنى شروط "الدولة" و"نظام الحكم" كما تُعرّفهما القوانين الدستورية في كافة أقطار المعمور!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد
العالم، الآن، يتمتع على مدار الساعات بفُرجة غير مسبوقة، يمارس الديك الجزائري المذبوح فيها رقصاته المعهودة، قبل أن ينكفئ كالعادة على وجهه، ويشرع في تنازلات متتالية على حساب كرامته، وكرامة "شبه الدولة" الجزائرية ومصالح مواطنيها، رغم أن هؤلاء المواطنين هم آخر هَمٍّ يمكن أن يشغل بال تبون أو شنقريحة أو غيرهما من زبانية تلك "الزريبة"!!
حكام الجزائر ينتظرون الآن ما ستخلص إليه اجتماعات هيئات الجمعيات والتعاونيات بين الطرفين، الجزائري والأوروبي، علما بأن الصادرات الجزائرية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، والمهددة الآن بالشلل تناهز 35 مليار سنوياً، وبأن المالية الجزائرية تعيش أسوأ أيامها، على الإطلاق!!
يكفي للدلالة على صحة هذه المعلومة السوداء، أن نقرأ خبر انسحاب الجزائر من إحدى المنافسات الرياضية القارية بسبب "عدم توفر الأرصدة المالية من العملة الصعبة"، نعم، هكذا برروا انسحابهم بكل خزي ووقاحة، وهم يديرون شؤون بلد من أغنى بلدان إفريقيا، بل حوض المتوسط، بل العالم برمته، بما يتوفر عليه من ثروات طبيعية باطنية وظاهرية لولا افتقاره إلى الرجال، وإلى العقول المفكرة والمدبّرة، ولولا غرق حكامه اليومي وعلى مدار الساعات والليالي في كؤوس تدور عليهم خارج العقل والوعي والإرادة!!
وإذا أضفنا هذا الموقف المرعب، مع الاتحاد الأوروبي، إلى الضربة الجِبائية الأمريكية التي ستدخل حيز التطبيق في غضون شهر غشت الواقف على الأبواب، والتي تفرض على صادرات الجزائر نحو الولايات المتحدة الامريكية نسبة 30%، مما سيجعل من المستحيل أن تلعب بلاد العم ترامب دور طوق النجاة، فسيكون الموقف فعلا في أسوإ حالاته، ويكون العنوان أعلاه معبرا عنه بكل أريحية:
"اللي عقدها بديه يفكّها بسنّيه"... و"يالله ورينا حنّة يدّيك" يا جارة الريح!!!