الشرقاوي: السكري والدماغ.. المضاعفة المنسية في قلب مؤتمر مراكش المغاربي أكتوبر 2025

الشرقاوي: السكري والدماغ.. المضاعفة المنسية في قلب مؤتمر مراكش المغاربي أكتوبر 2025 الدكتور أنور الشرقاوي طبيب وخبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي
السكري... ليس فقط مسألة قدم أو كِلى أو عيون، 
بل هو أيضاً مرض دماغي صامت، تدريجي، لكن يمكن تجنبه. 
عند الحديث عن داء السكري، غالباً ما يركز الأطباء على المضاعفات الكلوية (الاعتلال الكلوي)، العينية (اعتلال الشبكية)، أو العصبية الطرفية (الاعتلال العصبي للأطراف السفلية).
لكن هناك عضو حيوي يتم تجاهله في البروتوكولات وفي الأذهان: الدماغ .
فالدلائل العلمية تتزايد: السكري يغيّر بنية الدماغ ووظيفته، يسرّع التدهور المعرفي، ويزيد من خطر الإصابة بالخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر.
وهذا الجانب المُهمَل سيكون في صلب أشغال المؤتمر المغاربي العشرين لأمراض الغدد الصماء والسكري والتغذية، الذي تنظمه جمعية "سميديان" في مراكش، من 16 إلى 19 أكتوبر 2025، برئاسة الأستاذ الدكتور فؤاد رقيوق.
 
مضاعفات السكري على الدماغ تحت المجهر العلمي 
من بين الجلسات الأكثر انتظاراً، هناك محاضرة للبروفيسورة إيمان مطيب، أخصائية الغدد الصماء المعروفة ورائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ الطبي.
عنوان مداخلتها سيكون: "التدهور المعرفي لدى مرضى السكري: دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ المبكر"
الدراسات الحديثة تؤكد أن مرضى السكري من النوع الثاني أكثر عرضة لمشاكل معرفية وأمراض عصبية تنكسية.
 
 
 
لكن السؤال المحوري: هل يمكن التنبؤ بهذا الخطر قبل ظهور الأعراض؟ 
أرضية التهابية ووعائية تمهّد لهشاشة الدماغ 
الدماغ عضو غني بالأوعية، يستهلك الكثير من الطاقة، ويتأثر بسرعة بأي خلل استقلابي.
والسكري، خاصة من النوع الثاني، يعمل على ثلاثة مستويات خطرة:
اعتلال الأوعية الدقيقة في الدماغ، مما يؤدي إلى جلطات صغيرة صامتة، وظهور بقع بيضاء في المادة الدماغية، وتراجع في التروية الدموية للمناطق العميقة.
مقاومة الإنسولين على مستوى الدماغ، مما يضر بالذاكرة القصيرة الأمد، والمرونة العصبية، وتجدد الخلايا العصبية في الحُصين (hippocampe).
التهاب مزمن وإجهاد تأكسدي يسرّع من التنكّس العصبي، ويؤدي إلى تراكم بروتينات " تاو " وتشكّل لويحات الأميلويد المرتبطة بمرض الزهايمر.

أعراض خفية لكن تأثيرها عميق 
بعد سن الستين، يجب على الأطباء مراقبة مرضى السكري بحثاً عن علامات مبكرة:
ضعف في التركيز والانتباه
مشاكل في الذاكرة الحديثة
صعوبة في التخطيط أو حل مسائل بسيطة
بطء ذهني
تغيّرات في المزاج مثل اللامبالاة أو الاكتئاب

وغالباً ما تُفسَّر هذه الأعراض خطأً على أنها مجرد شيخوخة أو تعب عابر، مما يؤخر التشخيص والعلاج.
 
ماذا تقول الأبحاث؟ 
خطر الإصابة بالخرف لدى مرضى السكري يزيد بنسبة 1.5 إلى 2 مرة
السكري يسرّع ظهور أعراض الزهايمر بـ5 إلى 7 سنوات
صور الرنين المغناطيسي تُظهر ضموراً في الحُصين ونقصاً في حجم الدماغ لدى المرضى الذين لا يسيطرون على سكّرهم.
 
عندما يتنبأ الذكاء الاصطناعي بالخطر قبل ظهوره 
أبحاث البروفيسورة مطيب تُظهر أن الذكاء الاصطناعي قادر على رصد إشارات دقيقة تدل على بداية التدهور المعرفي.
من خلال تحليل كميات هائلة من بيانات الأشعة الدماغية والتحاليل البيولوجية والاختبارات المعرفية، تقوم الخوارزميات بتحديد المرضى المعرضين للخطر، حتى قبل أن يشعروا بأي أعراض.
إنها ثورة هادئة، تُمهد لطب وقائي مخصص، وخطط علاج أكثر دقة.
 
هل يمكن حماية دماغ مريض السكري؟ 
نعم، وبطرق متعددة:
ضبط دقيق للسكر في الدم، بدون هبوط متكرر
مراقبة الضغط والكوليسترول
ممارسة رياضة بانتظام
نظام غذائي متوسطي غني بالأوميغا-3
تحفيز الدماغ بالقراءة، الألعاب الذهنية، والتفاعل الاجتماعي
فحص معرفي دوري عند الطبيب العام أو أخصائي الغدد
 
الخلاصة: دعونا نفكّر في الدماغ عند الحديث عن السكري 
السكري لم يعد مجرد مسألة قدمين أو كلى أو عيون.
إنه أيضاً مرض دماغي صامت، تدريجي، لكنه يمكن تجنّبه.
حماية القدرات المعرفية لمريض السكري، تعني الحفاظ على استقلاليته، وذاكرته، وهويته.
وعندما يلتقي العِلم بالتكنولوجيا، كما سيكون الحال في مراكش أكتوبر 2025، يصبح مستقبل الرعاية أكثر دقة، وأبكر تدخلاً... وأكثر إنسانية.