"أنفاس بريس" تعيد تركيب مأساة الطفل الـــولي الذي غمرته مياه السيول في المدرسة العتيقة تدارت بإقليم إفني ( مع فيديو)

"أنفاس بريس" تعيد تركيب مأساة الطفل الـــولي الذي غمرته مياه السيول في المدرسة العتيقة تدارت بإقليم إفني ( مع فيديو)

 هي ثلاثة تواريخ وقف عليها موقع "أنفاس بريس" في إنجاز هذا الروبرطاج، تواريخ ستبقى خالدة في ذهن أسرة التلميذ الولي لعور، المنحدر من أقليم إفني، بعد أن جرفته مياه وادي تدارت..

 الأربعاء: قبلة الوداع

 لم يكن في علم والدة الطفل الوالي أن القبلة التي وضعتها على جبينه ستكون آخر قبلة بعد أن بلغ من العمر 14 سنة، وقبل ذلك جمعت له ما تيسر من طعام ووضعت له ملابسه النقية في حقيبته، ودع الولي لعور، إخوانه وهو الذي اعتاد على ذلك كلما قدم لبيته قادما من المدرسة القرآنية لتدارت بتراب إقليم إفني. "رد بالك راه الجو مبدل، تغطى مزيان"، هكذا أوصته والدته وهي تربت على كتفيه، "سير الله يرضى عليك"، يومها الأربعاء 19 نونبر 2014، لم تكن الفيضانات قد ضربت بعد منطقة كليميم والنواحي، لكن مع ورود أخبار السيول الجارفة وارتفاع منسوب المياه في الأودية، وسقوط ضحايا بعد أن جرفتهم المياه، بعدها بثلاثة أيام بدأ القلق يساور أسرة الطفل الوالي، لكنه كان يطمأنهم عبر الهاتف المتقطع بين الحين والآخر، بأنه بخير وعلى خير. ولم يكن في بال الأسرة أن تلك المدرسة العتيقة هي ضمن مجرى وادي تادارت..

 الجمعة: نكبة الأسرة

 يعد هذا العام، الثاني ضمن مسيرة الولي الدراسية في المدرسة القرآنية لتادارت، بعد أن درس أعوامه الأولى بمدرسة مماثلة بطريق طانطان، هو أوسط إخوته يحفظ القرآن الكريم كله، يشهد له أقرانه بالأخلاق العالية، تقع المدرسة العتيقة بجماعة إمي نفاست القروية بإقليم سيدي إفني، وهي تبعد عن محل سكنى التلميذ الولي بحوالي 23 كيلومتر، مدرسة زارتها كاميرا قناة العيون الجهوية يوم 4 شتنبر 2014، وتحدثت عن تميز المدرسة ضمن نسيج المدارس القرآنية بالمنطقة، في اعتمادها على تحفيظ القرآن الكريم وتدريسه إلى جانب مدارسة الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية ويشرف عليها فقهاء وشيوخ ممن خبروا الشأن الديني، حيث تستقطب 42 تلميذا من السمارة وتارودانت والعيون وأسا الزاك بل من تندوف، في إطار عودة بعض الأسر الصحراوية، لأرض الوطن، وتتوفر المدرسة على غرف النوم وقاعات الدراسة، إلى جانب مطعم ومطبخ، "لم يكن أثناء إنجاز التقرير التلفزي، أي إشارة لموقع المدرسة على مجرى وادي تدارت"، يقول الزميل محمد مصطفى خيا في تصريح لموقع "أنفاس بريس".. لكن الذي انتبه إليه موقع "أنفاس بريس" هو أن هذا "الروبرتاج" التلفزي تضمن تصريحا للتلميذ الولي، تحدث فيه عن إعجابه بمدرسته، وكيف أنه حفظ عددا من أحزاب القرآن الكريم، "تعلمت فيها شي من الدين وشي من القرآن" على حد تعبيره.. (انظر رابط الفيديو المرفق، في الدقيقة الثانية).

 اشتدت السيول على بعد كيلومترات من المدرسة العتيقة واستيقظت الأودية النائمة، وكان السؤال بين أوساط المدرسين هل نخلي سبيل الطلبة للذهاب لمنازلهم أم نتركهم بالمدرسة؟ لكن كيف سيكون عليه الحال للقاطنين في طانطان وتارودانت وغيرها من المدن البعيدة؟ في الوقت الذي كان التشاور فيه بين المشرفين على المدرسة العتيقة، كانت الأخبار تأتي سراعا بأن السيول في طريقها للمدرسة..

 يوم الجمعة 28 نونبر، حسب امبارك زيتة ابن عم التلميذ الولي، لم يكن أحدا من المسؤولين بالمدرسة العتيقة تدارت، وبينما كان التلاميذ يتناولون غذائهم قبيل صلاة العصر بمطعم المدرسة، صاح فيهم الطباخ، "اخرجو الواد جاي"، تزاحم التلاميذ على مخرج المطعم، وعلت الجلبة والضوضاء بين التلاميذ، جلهم تمكن من الانتقال للضفة الأخرى من الوادي الذي بدأ يمتلئ بالسيول الجارفة، لكن خمسة تلاميذ كان من بينهم الولي لعور، تأخروا في الخروج، وبينما هم يقطعون الوادي، بلغ السيل أحزمتهم، قاوموا السيول بأجسامهم الضعيفة، وتشبت بعضهم ببعض، ومن الضفة الأخرى، كانت صيحات رفقائهم أن "عجلوا الواد راهو جاي"، تمكن أربعتهم من إنقاذ أنفسهم، في حين كان الطفل الولي بجسده الضعيف يصارع الموت ويظهر حينا فوق الماء وحينا يشير بيديه، إلى أن جرته المياه المتلاطمة نحو القعر، لم تنفع صيحات الإنقاذ التي أطلقها زملاؤه في الدراسة، واكتفى ساكنة الدواوير المجاورة بالتفرج ومنع المزيد من الضحايا، لم يغادر أصدقاء الولي المكان، بل ظل الأمل يحذوهم في بقاء صديقهم على قيد الحياة، لكن مع مرور الدقائق بدأ الأمل يخبو، ومع ذلك كانوا يسارعون الخطى هنا وهناك على ضفتي الوادي، في أن تظهر جثة زميلهم في الدراسة. لكن ارتفاع منسوب مياه الوادي جره إلى قعره .فيما غمرت الأمواج المتلاطمة جزء كبيرا من مرافق المدرسة.

 ليلتها، سقط الخبر كالصاعقة على أسرة التلميذ الولي، وكانوا بين المطرقة والسندان، مطرقة الخبر الصاعقة بفقدان ابنهم وأخيهم، وسندان صعوبة التحرك في ظل الظروف الجوية السيئة، أخبروا أفراد الوقاية المدنية والدرك الملكي بفقدان ابنهم، ونشروا بلاغ استغاثة عبر عدد من المواقع الإلكترونية الجهوية، مرفقا برقم هاتف ابن عمه امبارك، مسجلين تهاون السلطات في البحث عن جثة الفقيد ، ومهيبة جميع القلوب الرحيمة والمواطنين المساعدة وتقديم اي معلومة تخص ابنها.

 طيلة 5 أيام، كانت أسرة التلميذ الولي، تتحدث عنه كمفقود، يمكن أن يظهر حيا هنا أو هناك، 5 أيام، قضتها الأسرة المنكوبة تتنقل بين الدواوير تقتفي أثر ابنها.

 الأربعاء: انتشال الجثة

 تحت شجرة أركان التي بلغت المياه أغصانها، كانت التلميذ الولي جثة هامدة وقد غمرته أتربة الوادي.. فعلى بعد 7 كيلومترات من مجرى الوادي عثرت الأسرة على جثة ابنها وقد غطته أغصان الأشجار والأوراق، تطوع بعض الشباب لإخراجه نحو ضفة الوادي، ومن بعيد تأكد لإخوته وأبناء عمومته معرفته، فقد تجندوا ليل نهار للبحث عنه.. قبله أخوه الأكبر بحرارة بعد أن ضمه لصدره.. فيما عجزت والدته مريم عن التنقل المضني، مسلمة أمرها لله عز وجل..

 لم يكن أحد من السلطات المحلية في عين المكان، وهو ما أكده ابن عم الراحل، امبارك زيتة في اتصال هاتفي مع "أنفاس بريس". الذي قال "وجدناه في حدود الساعة الثالثة عصرا من يوم الأربعاء 3 دجنبر 2014، أي بعد 5 أيام سود مرت من حياتنا، دون أن نجد تجاوبا في عملية البحث من قبل السلطات المحلية، في الوقت الذي نتساءل فيه عن تقاعس المشرفين على المدرسة العتيقة، في توفير الحماية للتلاميذ، بل وغيابهم يوم الفاجعة، ومع ذلك نحمد الله عز وجل أن اقتصرت المصيبة على ابننا في الوقت الذي كادت السيول أن تجرف المدرسة بكل من فيها".

 

"هذا قبر المشمول بعفو الله ورحمته، الطفل الولي لعور، تاريخ الوفاة الجمعة 28 نونبر 2014". على شاهده بمقبرة الفلاحة بكليميم كتبت هذه الجملة، واضعة حدا لنكبة أسرة جرفت مياه السيول ابنها، وذلك بعد عصر يوم الخميس 4 دجنبر 2014.

رحم الله كل الشهداء الذين ماتوا غرقا في الفيضان.

من هنا رابط الفيديو