أحمد الحطاب: المجتمع المغربي بين القول والسلوك

أحمد الحطاب: المجتمع  المغربي بين القول والسلوك أحمد الحطاب
بصفةٍ عامةٍ، شتان بين ما يقوله المغاربة وبين سلوكِهم في واقِعِهم اليومي. وبعبارةٍ أخرى، هناك تفاوُتٌ un décalage بين الأقوال والسلوك اليومي. الأقوال يمكن تصنيفُها في خانة المحافظة le conservatisme، بينما السلوك يمكن تصنيفُه في خانة الحداثة la modernité. والمحافظة والحداثة تياران فكريان مُتضاضان نظريا deux  courants de pensée théoriquement  contradictoires. الأول مبني على التقليدانية le traditionalisme وينظر للأشياء، فكرِياً، بنظرة ماضوية ويُسقِط هذه النظرة على الحاضر، بينما الثاني ينظر للأشياء، من الناحية الفكرية، بروح العصر الحاضر وما يفرضه من تطوُّرأت. وعندنا أقول "المجتمع المغربي"، فالمقصود ليس المجتمع برمَّتِه ولكن الشريحة العريضة التي تتناقض أقوالُهم مع سلوكِهم اليومي.
 
وبعبارة أوضح، التيار الأول يرى أن القيمَ الإنسانية والاجتماعية التي كانت سائدةً في الماضي يمكن تطبيقُها لتدبير شؤون الحاضر، أو إن شئنا، إن هذه القيم صالحةٌ لكل زمانٍ ومكانٍ. وهذا يعني أن التيار الأوّل يرفض تطوُّرَ الفكر البشري refuse l'évolution de la pensée humaine، وبالتالي، على العقول البشرية، طيلةَ مدة طويلة، أن تبقى جامِدةً لتعُضَّ بالنواجد على الماضي وما كان سائداً فيه من قيمٍ إنسانية واجتماعية.
 
أما التيارُ الثاني، فإنه ينطلق من كون الفكر البشري نفسه يتطوَّر كلما زاد احتكاكُه  بالأشياء المُحيطة به. وهذا الاحتكاكُ المتزايد هو الذي يجعل الفكر البشري يتطوَّر بانتظام. وبحُكم هذا الاحتكاك المتزايد، العقل (الفكر) البشري لا يتوقَّف عن التفكير. وهذا التفكير هو الذي يجعل حاضرَ الأمس (الماضي) مختلفا عن حاضر اليوم. وهذا يعني أن الواقعَ، بقيمِه الإنسانية والاجتماعية، الذي كان سائداً في الماضي، مختلفٌ عن واقع الحاضر ما دامت العقليات التي أنتجتهما (واقع الماضي وواقع الحاضر) مختلفة من حيث التفكير.
 
وباختصارٍ، التيار الأول يريد أن تبقى العقولُ البشريةُ جامِدةً ويحتكِم إلى قيم الماضي لتدبير شؤون الحاضر. بينما التيار الثاني يؤمِن بأن الفكر (العقل) البشري لا يتوقف عن التفكير وأن لكل زمانٍ ومكانٍ قيمُه الإنسانية والاجتماعية. وهذه القيم، هي التي  تُدبَّرُ بها شؤونُ هذين الزمان والمكان.
 
ورجوعاً إلى عنوان هذه المقالة وإلى ما قلتُه مباشرةٍ بعد هذا العنوان، فأين يوجد الإشكال؟ يوجد الإشكالُ في كون الأقوال والسلوك صادرين عن نفس الأشخاص. بمعنى أن ما يقوله الشخصَ الواحدَ، وخصوصا، في وسائل الإعلام، يتناقض مع سلوكه في الواقع اليومي la réalité quotidienne. وهنا، يُطرحُ شؤالٌ عريض : "ما هو السببُ أو ما هي الأسباب التي تحعلُ الشخصَ الواحدَ ينطق بكلامٍ متناقضٍ مع سلوكِه في الواقع اليومي"؟
 
السَّببُ الرئيسي الذي يجعل الأقوالَ مُتناقضةً مع السلوك، هو الخوف. كيف ذلك أو الخوف من ماذا؟ الخوف من الأسرة ومن المجتمع، وبصفة عامة، الخوف من انتقادات الناس. وبالتالي، فالمتحدِّثُ، تحت طائلة الخوفّ يقول ما يُرضي الأسرةَ والمجتمعَ والناسَ بينما سلوكُه في الواقع اليومي حداثي. لماذا؟
 
الخوف من الأسرة والمجتمع وانتقادات الناس راجعٌ إلى كون الأسرة هي النواة التي تلقَّينا فيها، ونحن أطفال، تربيتَنا الدينيةَ الأوليةَ. لكن هذه التربية، هي في مُجملِها، تربيةٌ تخويفية، أي مبنية على الخوف من العقاب الإلهي. وهنا، أحيل القارئَ على مقالة سبق أن نشرتُها، في هذا الشأن، على صفحتي في الفيسبوك، خلال شهر أكتوبر 2021، تحت عنوان : "أليست لنا عقولٌ نفكِّر بها أم نحن مُجبرون على الخضوع لتربية دينية تخويفية"؟ وإذا لم يتم تنوير الطفل لحقيقة الدين الذي أراده الله، سبحانه وتعالى، لجميع الناس والذي ليس فيه تخويفٌ، فإن هذا الطفل سيجرُّ وراءه شيحَ التخويف الذي تربَّى عليه أُسَرِياً، وبتدعبمٍ من المدرسة، في حَياتِه اليومية. وما يزيد في الطين بلَّةً، هو أن مَن يُسمَّون ب"علماء وفقهاء" الدين، القدامى والحاليين، يُصعِّدُون من شدة هذا التَّخويف.
 
وبالتالي، فالمُتجدِّث، الجَارُّ وراءه شبحَ التخويف، مُجبرٌ بأن تكونَ أقوالُه مُرضيةً للأسرة وللمجتمع وللناس بصفة عامة، وهو يعرف، حقَّ المعرفة، بأن أقوالَه تتناقض مع سلوكه في الحياة اليومية.  وكما سبق الذكر، فأقوال المُتحدِّث مُصنَّفةٌ في خانة المُحافظة le conservatisme، بينما، السلوكُ يُصنَّف في خانة الحداثة la modernité. فما هي عاقِبَةُ أو عواقب هذا التناقض؟
 
العاقبة الرئيسية والأساسية، هي أن التَّربيةَ، بصفةٍ عامة، والتربية الدينية، بصفةٍ خاصة، تَبنِيان إنساناً مغربياً منافقا construisent un être humain marocain hypocrite، علما أن النفاقَ مذمومٌ اجتماعياً، أخلاقياً ودينياٍ. فما هو السبب في هذه الازدواجية في الشخصية؟
 
السبب الرئيسي، هو انعدام حرية التّعبير la liberté d'expression. وانعدام حرية التَّعبير يعني انعِدامَ الديمقراطية. وانعدام الديمقراطية يعني انعدام احترام حقوق الإنسان. وحرية التعبير حق من حقوق الإنسان. وعندما أقول حرية التعبير، فالمقصود هو الحرية المسؤولة، أي الحرية التي لا تُلحق أضراراً بالآخرين، أي الحرية التي تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين.
 
وحرية التعبير ليست إلا قيمة من القِيم الإنسانية التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لكل بلدٍ يطمح في بناء مواطنٍ صالحٍ يُساهم، بكيفيةٍ فعالة، في تنمية البلاد وازدهارها وتقدُّمها.