بنسعيد الركيبي: التخييم التربوي بالمغرب من الذاكرة الشفوية إلى التوثيق

بنسعيد الركيبي: التخييم التربوي بالمغرب من الذاكرة الشفوية إلى التوثيق بنسعيد الركيبي
اعتبارا‭ ‬للأدوار‭ ‬التي‭ ‬يؤديها‭ ‬المخيم‭ ‬التربوي‭ ‬كمؤسسة‭ ‬غير‭ ‬نظامية‭ ‬للتربية‭ ‬الوطنية‭ ‬وأداة‭ ‬لاكتساب‭ ‬المهارات‭ ‬الحياتية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الانتماء‭ ‬المجتمعي،‭ ‬يظل‭ ‬سؤال‭ ‬التوثيق‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأسئلة‭ ‬المهمشة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحقل،‭ ‬رغم‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الذاكرة‭ ‬وصيانة‭ ‬الهوية‭ ‬التربوية‭ ‬الوطنية‭.‬
 
ورغم‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬التخييمية‭ ‬المغربية‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬عقود،‭ ‬وراكمت‭ ‬رصيدا‭ ‬غنيا‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬والخبرات،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬لم‭ ‬تتحول‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬مؤسساتي،‭ ‬بل‭ ‬ظلت‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬رهينة‭ ‬المنجز‭ ‬الموسمي،‭ ‬تستهلك‭ ‬ولا‭ ‬تؤرشف،‭ ‬وتمارس‭ ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬للدرس‭ ‬والتحليل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري:‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي‭ ‬ومجالاته‭ ‬يشتغل‭ ‬بمنطق‭ ‬التجريب،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يدرج‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬البحث‭ ‬وبناء‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية؟
الجواب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬التوثيق‭ ‬داخل‭ ‬القطاع‭ ‬التخييمي‭ ‬ككل‭. ‬فغالبية‭ ‬الجمعيات‭ ‬النشيطة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬والفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬"موظفين‭ ‬ومكوّنين‭ ‬ومديرين‭ ‬ومدرّبين"‭ ‬ظلوا‭ ‬يركزون‭ ‬على‭ ‬الإنجاز‭ ‬اللحظي‭ ‬لتجاربهم،‭ ‬دون‭ ‬تخصيص‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لتوثيقها‭ ‬أو‭ ‬تصنيفها‭ ‬أو‭ ‬حفظها‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭. ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬الطبيعة‭ ‬الموسمية‭ ‬للعمل‭ ‬التخييمي‭ ‬وضغط‭ ‬الزمن‭ ‬التنظيمي،‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭. ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التوثيق‭ ‬باعتباره‭ ‬عملا‭ ‬إضافيا‭ ‬لا‭ ‬ضرورة‭ ‬تربوية‭.‬
 
ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الجامعة‭ ‬المغربية‭ ‬والمعاهد‭ ‬العليا‭ ‬وبكل‭ ‬أسف،‭ ‬لم‭ ‬تنخرط‭ ‬بعد‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أو‭ ‬مقاربته‭ ‬كمادة‭ ‬للبحث‭ ‬الأكاديمي‭. ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬حقلا‭ ‬غنيا‭ ‬للدراسات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬والسيكولوجية‭. ‬فضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الفاعلين‭ ‬الميدانيين‭ ‬والجامعات‭ ‬وغياب‭ ‬رؤية‭ ‬تؤطر‭ ‬التخييم‭ ‬كموضوع‭ ‬بحثي‭ ‬مستقل،‭ ‬أبقى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬العلمي‭. ‬
 
وحتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكوين،‭ ‬فإن‭ ‬التوثيق‭ ‬لا‭ ‬يدرج‭ ‬ككفاية‭ ‬محورية،‭ ‬وإنما‭ ‬يلامس‭ ‬بشكل‭ ‬شكلي‭ ‬في‭ ‬التداريب‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬تجاوزا‭ ‬بـ‭ ‬«مجلة‭ ‬التدريب»‭ ‬التي‭ ‬يعهد‭ ‬إلى‭ ‬المتدرّبين‭ ‬بإعداد‭ ‬وطبع‭ ‬موادها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تدخل‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬للأطر‭ ‬المشرفة،‭ ‬أو‭ ‬تقارير‭ ‬الأنشطة‭ ‬أو‭ ‬توثيق‭ ‬العروض‭ ‬النظرية‭ ‬والأناشيد‭ ‬والألعاب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬التدريب‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬المتدربين‭ ‬تدوينها‭ ‬في‭ ‬دفاتر‭.‬
 
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬«الفردية‭ ‬أو‭ ‬الجمعوية»‮ ‬‭ ‬قد‭ ‬حاولت‭ ‬التقاط‭ ‬اللحظة‭ ‬التخييمية‭ ‬والتدريبية‭ ‬عبر‭ ‬الصور‭ ‬أو‭ ‬التدوينات‭ ‬أو‭ ‬الكرّاسات،‭ ‬فإنها‭ ‬تظل‭ ‬معزولة‭ ‬وعديمة‭ ‬الجدوى،‭ ‬لغياب‭ ‬مؤسسة‭ ‬تجمع‭ ‬وتصنف‭ ‬هذا‭ ‬الأرشيف‭ ‬وتجعله‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬جذري‭ ‬من‭ ‬التوثيق‭ ‬الفردي‭ ‬المعزول‭ ‬إلى‭ ‬التوثيق‭ ‬المؤسساتي‭ ‬المنظم‭.‬‮ ‬
 
ولأجل‭ ‬ذلك‭ ‬نحتاج‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬مركز‭ ‬وطني‭ ‬لذاكرة‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬يتولى‭ ‬تجميع‭ ‬الوثائق‭ ‬والصور،‭ ‬والإصدارات‭ ‬والتسجيلات‭ ‬والدلائل‭ ‬البيداغوجية‭ ‬وشهادات‭ ‬الروّاد‭ ‬وكل‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬أرشيف‭ ‬الوزارة‭ ‬ـ‭ ‬طبعا‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬ـ‭ ‬ويشتغل‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬رقمنة‭ ‬الرصيد‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬التربوي،‭ ‬ليصبح‭ ‬مكتبة‭ ‬وطنية‭ ‬تربوية‭ ‬متخصصة،‭ ‬تستقبل‭ ‬الباحثين‭ ‬والطلبة‭ ‬والمهنيين‭.‬
 
كما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬الذّاكرة‭ ‬التخييمية‭ ‬المغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الحماية،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حبيس‭ ‬الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬الفرنسي‭. ‬حيث‭ ‬توجد‭ ‬وثائق‭ ‬ومراسلات‭ ‬وصور‭ ‬وتقارير‭ ‬لم‭ ‬تسترجع‭ ‬بعد،‭ ‬رغم‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬تأريخ‭ ‬بدايات‭ ‬المخيمات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية،‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬والثقافة‭ ‬والتواصل،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مبادرات‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬وعلمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬رقمنته‭ ‬وتوفيره‭ ‬للباحثين‭.‬
 
إن‭ ‬التوثيق‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الممارسة‭ ‬التربوية‭ ‬الاستمرارية‭ ‬ويضفي‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬العلمية‭. ‬لأنه‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬تحولات‭ ‬مجال‭ ‬التخييم‭ ‬التربوي،‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬احتياجات‭ ‬الطفولة‭ ‬وتطوير‭ ‬الانشطة‭ ‬ومحتويات‭ ‬ومناهج‭ ‬التكوين،‭ ‬ومن‭ ‬إنتاج‭ ‬معرفة‭ ‬تخييمية‭ ‬بخصائص‭ ‬مغربية‭ ‬تغني‭ ‬عن‭ ‬الإقتباس‭ ‬واستيراد‭ ‬الأفكار‭ ‬الجاهزة‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يكون‭ ‬التوثيق‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬المداخل‭ ‬الأساسية‭ ‬لـمأسسة‭ ‬المنظومة‭ ‬التخييمية‭ ‬وتحويلها‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬شفوية‭ ‬إلى‭ ‬رصيد‭ ‬وطني‭ ‬مؤسس‭.‬
 
ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإن‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬ورش‭ ‬توثيق‭ ‬الذاكرة‭ ‬التخييمية‭ ‬واجب‭ ‬تربوي‭ ‬ووطني‭. ‬ويفترض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخييم‭ ‬واتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية‭ ‬والقطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬المكلف‭ ‬بالشباب‭ ‬والفاعلين،‭ ‬قيادة‭ ‬هذا‭ ‬الورش‭ ‬وتنسيق‭ ‬الجهود،‭ ‬لإخراج‭ ‬فكرة‭ "‬الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬التربوي‭ ‬بالمغرب‭" ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود‭.‬
 
بنسعيد الركيبي/ فاعل تربوي وطني ميداني مهتم بقضايا التخييم والتكوين التربوي بالمغرب