في أثينا القديمة، شكّلت “الأغورا” (Agora) قلب المدينة الديمقراطية، حيث كان المواطنون يلتقون لتداول الشأن العام، وسماع الفلاسفة،.وفي روما، كان “الفوروم” (Forum) مركزًا للسلطة والسياسة والعدالة.
أما في المدن الإسلامية، فقد عُرفت “الرحبة” أو “الساحة الكبرى” كمكان جامع للتجارة والعبادة والتشاور، تؤطرها عادة مؤسسات المسجد والسوق، وتشكل صلة وصل بين المواطن ومحيطه.
وفي بلادنا ، لم تخرج الساحة عن هذا النسق الرمزي والمعماري. فقد شكلت، في التخطيط التقليدي للمدن، عنصرًا مركزيًا في النسيج الحضري. نلمس ذلك في ساحة الهديم بمكناس، وساحة جامع الفنا بمراكش، وساحة سيدي عبد السلام بتطوان، حيث كانت الفضاءات العامة أداة لتنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع، ومتنفسًا لممارسة الحياة اليومية. لكنها، مع تحولات الدولة والمجتمع، حافظت على مركزيتها، وإن تغيرت وظائفها. فقد أصبحت في الحواضر الحديثة فضاءات مفتوحة للتعبير والاحتفال والانفعال الجماعي. شهدنا ذلك في باب الحد بالرباط، وساحة الجامعة العربية بالدار البيضاء، وساحة الأمم بطنجة، حيث خرج المواطنون للاحتفال، كما حدث بشكل بارز خلال ملحمة كأس العالم 2022. بذلك، تحولت الساحة من فضاء للضبط إلى فضاء للانتماء، تختزن الذاكرة الجماعية، وتُجسد لحظات نادرة من وحدة وطن متعدد الروافد.
وفي هذا السياق وبعد ما أكدته هذه الساحات من قدرة على احتضان اللحظات الجماعية الكبرى، يبدو أن الوقت قد حان لمنحها بُعدًا رمزيًا جديدًا يعكس وحدة المغرب وتنوعه، كتعبير بصري ومعنوي لفضاء حضري يُجسد الانتماء المشترك.
من هنا تنبع الدعوة إلى إطلاق اسم موحد على الساحات الكبرى في مدن المملكة: “ساحة المغرب”، Morocco Square.
ليس باعتبارها تسمية إدارية، بل رسالة رمزية تقول إننا، من طنجة إلى الكويرة، نلتقي تحت سقف مغرب واحد، موحّد بقيمه، متعدد في روافده، ومتشبث بمصيره المشترك. ستكون هذه الساحة أكثر من نقطة تجمع؛ ستكون علامة حضارية في كل مدينة، تختزن معنى تمغربيت ، وتُعيد تشكيل العلاقة بين الناس والمكان والوطن.
تؤكد التجارب الدولية جدوى هذه الرمزية. ففي إسبانيا، تحمل معظم المدن الكبرى ساحة مركزية تُدعى “بلازا دي إسبانيا” (Plaza de España)، كرمز للوحدة الوطنية في بلد متعدد الجهات والثقافات. وفي فرنسا، تتكرر “ساحة الجمهورية” (Place de la République) في أكثر من مدينة، باعتبارها تجسيدًا لقيم الجمهورية: الحرية، المساواة، والأخوة. وفي دول أمريكا اللاتينية، تنتشر ساحات مثل “Plaza de la Nación” أو “Plaza de la Constitución”، لتكون فضاءات للاحتفالات الوطنية والتظاهرات والطقوس المدنية. وتُبرز هذه الأمثلة كيف يمكن لتسمية موحدة أن تحوّل الفضاء العام إلى حامل رمزي لهوية وطنية جامعة، تُستعاد فيها القيم المشتركة، ويترسخ من خلالها الوعي الجماعي.
فنحن اليوم أمام لحظة مغربية استثنائية ، فعمرانيا هاهي غالبية مدننا يعاد تأهيلها وتُصاغ ملامحها من جديد، كما ان منسوب "تمغربيت”، كمشترك شعبي وشعوري، في أوجه، كما عكسته لحظات وطنية مؤثرة. اما أفق 2030، فيضع على عاتقنا مسؤولية جماعية لإنجاح المحطات الكبرى،
في هذا السياق، تندرج فكرة “ساحة المغرب” كتتويج رمزي لهذا البناء الجماعي، وكعنوان مدني جامع، يجسّد وحدة المغاربة في فضاء مفتوح، يلتقي فيه الجميع على اختلاف أصولهم ولهجاتهم وثقافاتهم.
قد تبدو الفكرة بسيطة، لكن في رمزيتها تكمن قوة وطنية وتربوية وتعبوية، تذكّرنا – كل يوم – أن المغرب، بكل تنوعه، هو ساحتنا المشتركة.
فما هو راي "مؤسسة المغرب 2030 »؟