وزان ... كيف وأين تبخرت المنظمات الشبابية الحزبية ؟

وزان ... كيف وأين تبخرت المنظمات الشبابية الحزبية ؟ محمد حمضي(يمينا)، وعبد الرحيم بوعبيد يحضن شبيبته ... محمد حمضي يتسلم منه حزمة من الكتب ( مارس 1981)
الشهيد عمر بن جلون والشباب

" ... هناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، ونضال الماضي، وإنما يهمه واقعه ومستقبله الذي يراه مظلما. والشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا ، يرفض التعقيد والغموض والالتواء ، ويطمح إلى الوضوح وإلى فكرة شاملة ومنسجمة ، فكرة لا تبرر الواقع والاخفاق ، وإنما تعبر عن الواقع ، وعن الحلول الضرورية من أجل تغييره . إنه متعطش إلى الانسجام الفكري ، ويبحث عنه ...." . بهذا الوضوح تحدث الشهيد عمر بن جلون في المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنعقد أيام 10/11/12 يناير 1975.

نصف قرن ولا زال هذا التشريح لواقع الشباب وطموحاته يكتسي الراهنية رغم اختلاف السياقات ، ورغم أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ، ورغم أن الشيخوخة تزحف على المجتمع كما أكد ذلك الاحصاء العام للسكان والسكنى الأخير( شتنبر 2024)

إذا سلمنا بأن المجتمع المغربي يشيخ ، وهذا من التحديات الكبرى التي ستواجه بلادنا في المستقبل المتوسط ، فإن ذلك لا يعني القفز على قضايا الشباب اليوم ، وتركه يواجه المجهول رغم الثقل الذي لازال يمثله عدديا ومطالبا . إن الأمر يستدعي الانصات لنبضات هذه الفئة من المجتمع ، التي قال عنها الرئيس الفرنسي فراسوا ميتران يوما " إن الشباب هو المستقبل الذي أمامنا " . لذلك على الأحزاب السياسية وهي تستعد للاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2026/2027 أن تجتهد في صياغة الأجوبة الحقيقية عن مطالب الشباب.

وفي هذا الإطار لا يمكن أن يفهم الشباب غير الشباب. لكن هل من سيتنافسون غدا انتخابيا ، المنظمات الشبابية التابعة لأحزابهم موجودة فعليا ؟ وتعمل على تأطير الشباب ؟ أم أن هذه المنظمات تجاوزتها الأحداث ، وانكمش حضورها أمام التطور المتسارع الذي يعرفه عالم التكنولوجية الجديدة الذي وجدت فيه هذه الفئة ضالتها ؟ ألا يمكن اعتبار رفض الشباب تغذية صفوف الأحزاب القائمة كون أساليب استقطابها شاخت ، وراجع كذلك لتتفيه دور الشباب وخنق صوته في صفوف هذه الأحزاب ؟ أم أن أزمة المنظمات الشبابية الحزبية من أزمة المشهد الحزبي ؟

وزان والشباب الحزبي

لا تشكل دار الضمانة جزيرة معزولة عن ما يمور به واقع الشباب على امتداد التراب الوطني . لكن واقع الشباب بالمدينة كما بالإقليم وصل من درجات القتامة ما لا يمكن تصوره ! وضع تلخصه هذه الجملة العميقة " مدينة لا تتقن شيئا قدر اتقان نخبتها الحزبية فن اضاعة الفرص" .

يشهد التاريخ القريب بأن حاضرة وزان كان لها بالمنظمات الشبابية الحزبية المرتبطة بأحزاب الصف التقدمي والديمقراطي ، ثقلا عدديا ونوعيا . ولم ينل من حضورها قيد أنملة زمن الجمر والرصاص الذي عاشته بلادنا قبل المصالحة التاريخية التي وضعت حدا للصدام الذي عطل دوران عجلة التنمية.

الوزن الثقيل لفروع المنظمات الشبابية الحزبية بوزان كان ملموسا في مؤسسات التعليم الثانوي، والجمعيات المدنية التربوية والثقافية، ومدرسة التعليم العتيق لمن لا يعلم بهذه الحقيقة، وكان صوتها مسموعا بقوة في صفوف أحزابها. أما على مستوى الساحة الجامعية فقد لعب طالبات وطلاب المنظمات الشبابية المذكورة المنحدرون من وزان ، أدوارا طلائعية أثارت انتباه مختلف التيارات التقدمية الأخرى . وللتاريخ ، كان صوت شباب فروع هذه المنظمات مسموعا وطنيا ، وسطع نجم الكثيرين ، مما رشحهم/ن لتحمل مسؤوليات وطنية بقيادة هذه المنظمات ، ومنهم/ن من ترك مرورا مشهودا به في الساحة الدولية .

أين نحن اليوم من زخم هذه المرحلة المشرقة من تاريخ المنظمات الشبابية الحزبية على مستوى دار الضمانة ؟

الواقع يعلو ولا يعلا عليه ... لم يعد لهذه المنظمات أثرا يذكر على الساحة الوزانية ... ! وأكثر من محاولة لإعادة البناء ولدت ميتتة ، وكان ذلك منتظرا لأن العرض السياسي لهذا الحزب أو ذاك لم يعد مغريا للشباب ، ولأن الممارسة الحزبية على المستوى الترابي منفرة ، وهياكل حزمة من الأحزاب الحزبية معطلة ، وقضايا المدينة وشبابها لم تجد لها ترجمة عند الأحزاب الموجودة ، منذ اقتراع 8 أكتوبر الذي لم تعد تخفى تفاصيله على أحد ....

أما بعد

بألم نتناول هذا الموضوع ... و لكن لن يجرفنا تيار اليأس ... إيماننا راسخ بأن دوام الحال من المحال... سنظل ندق الناقوس في بيوت الاطارات السياسية حتى يعي "صناع القرار" بها بأن لا عودة للشباب لتعزيز صفوفها من جديد إذا ظل الفصل 7 للدستور معطلا " ...يجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية" ، وذا لم يتم الكف عن " بهدلة" العمل الحزبي وتبخيسه.

لم يجانب الصواب المرحوم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي عنما قال " اتقوا الله في حزبكم ، اتقوا الله في وطنكم " . صرخة لا يمكن اسقاطها على حزبه لوحده اذا فصلناها عن السياق الذي قيلت فيه ، ولكنها موجهة اليوم لجميع الأحزاب .....