تُشكل الاستثمارات الأجنبية المتزايدة في الأقاليم الجنوبية للمغرب محركًا رئيسيًا في إعادة تعريف مسار نزاع الصحراء.فبينما تُذكي هذه المشاريع إنزعاجا كبيرا في الصالونات المكيفة بالجزائر العاصمة فإنها تدفع ميليشيا البوليساريو الإرهابية إلى إقتراف المزيد من الأكاذيب و التضليل ، فإن هذه الإستثمارات تعد في الوقت ذاته مؤشرًا قويًا على قدرة العقل الإستراتيجي المغربي على إجراء تحول ملموس و جوهري في المواقف الدولية تجاه هذا الملف. هذه التدفقات الاستثمارية لا تقتصر على كونها دليلًا على الثقة المتنامية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية تحت السيادة المغربية الكاملة، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية عميقة للمجتمع الدولي و كافة الأطراف الإقليمية الفاعلة في هذا الملف، مؤكدةً مغربية الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ومن ثم، فإنها تُفنّد الأراجيف الانفصالية التي تحولت إلى سلوك منهجي عنوانه التضليل، تحت إشراف المخابرات الجزائرية وعملائها المنتشرين في أوروبا، الذين ينتحلون صفات دبلوماسية منحولة، كالموريتاني الأصل أبي بشرايا البشير المتورط سابقًا في عمليات فساد مالي، إلى جانب عزيزة احميدة التي تشغل منصب رئيسة جمعية الشباب الصحراوي أثناء استقراره في فرنسا في مهمة لصالح ميليشيا البوليساريو الإرهابية بأوروبا.
وعلى صعيد متصل، تُلقي الفضائح المتلاحقة المرتبطة بأبي بشرايا البشير بظلالٍ قاتمة على مصداقية ترافع الأطراف المحسوبة على البوليساريو في هذا الملف حيث تؤكد حقيقة الجبهة كتجمع لمجموعة من المرتزقة و قطاع الطرق و ميليشيات متطرفة عنيفة ، فالتقارير الإعلامية تشير في أكثر من مناسبة إلى استيلائه على جزءٍ كبيرٍ من هبةٍ ماليةٍ تُقدر بمليوني دولار قدمتها الرئاسة الجنوب أفريقية لتمويل مشاريع اجتماعية في مخيمات الذل والمهانة، تتضمن بناء قاعة أولمبية مغطاة، مُحولًا مليون دولار إلى حسابه الخاص ببنك "كريدي سويس" في سويسرا. وعندما أبلغ القيادة بتلقيه مليون دولار فقط، برر احتفاظه بالمليون الآخر كـ"أتعاب"، ومُقدمًا على شراء عقاراتٍ في بريطانيا وباريسو بالتالي فمن غير المنطقي أن يقدم رجل يحترف الفساد و الكذب و التضليل دروسا للمنتظم الدولي في حماية الثروات و كيفية تثمينها .
في هذا السياق، تمثل الاستثمارات الأجنبية في الصحراء المغربية اعترافًا ضمنيًا بالسيادة المغربية على هذه الأقاليم، وهو ما يتعارض بوضوح مع مزاعم الجبهة الإرهابية حول أكذوبة "تقرير المصير". حيث تقوّض هذه الاستثمارات السردية الانفصالية التي تحاول البوليساريو ترويجها دوليًا حول "استغلال المغرب لثروات الصحراء"، حيث إن هذه المشاريع التنموية تعود بالنفع المباشر على الساكنة المحلية وتساهم في تحسين ظروف عيشها. من هذا المنطلق، تنظر ميليشيا البوليساريو الإرهابية إلى هذه الاستثمارات كعنصر يساهم في ترسيخ الوجود المغربي وتعزيز الاندماج الاقتصادي للمنطقة، مما يضعف موقفها السياسي و العسكري ويزعزع أسس مطالبها الانفصالية، ويدفعها إلى محاولات يائسة لتخويف المستثمرين وعرقلة التنمية.
فهذه الاستثمارات تُعد مؤشرًا قويًا وواضحًا على قدرة العقل الاستراتيجي المغربي على فرض تحول جوهري في الموقف الدولي من ملف النزاع. هذا التنامي يعكس ثقة متزايدة من جانب الدول والشركات الأجنبية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية في ظل السيادة المغربية. وهو كذلك تجسيد عملي لارتفاع منسوب التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي تقدم به المغرب كحل جاد وواقعي وذي مصداقية للنزاع الإقليمي المفتعل. فدعم دول وازنة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، وألمانيا، وفرنسا و بريطانيا، لمقترح الحكم الذاتي، يترجم اليوم إلى شراكات اقتصادية واستثمارات حقيقية في هذه الأقاليم، مما يعزز الموقف المغربي بشكل لا لبس فيه ويؤكد صواب رؤيته. يُضاف إلى ذلك أن هذه الاستثمارات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة. فهي تبعث برسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي يرى في المقترح المغربي أساسًا متينًا لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، متجاوزًا بذلك الخطابات الكلاسيكية ليتبنى رؤية واقعية تترجم رغبة المملكة في تأسيس نموذج إقتصادي متمبز للأقاليم الجنوبية بشكل يحولها إلى جسر لوجيستيكي عملاق يؤمن للقارة الإفريقية و شعوبها فرص التنمية المستدامة و الأمن و السلام .
و في هذا الصدد أيضا، تُشكل الاستثمارات المتدفقة على الأقاليم الجنوبية للمغرب رسائل سياسية واضحة ومباشرة إلى المنتظم الدولي، إذ تؤكد بشكل فعال السيادة المغربية. فوجود الشركات الأجنبية واستثماراتها الكبرى في الصحراء المغربية ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو اعتراف ضمني وملموس بأن المغرب يمارس سيادته الكاملة والمشروعة. كما أن هذه الاستثمارات تنفي بشكل قاطع أي ادعاءات حول عدم الاستقرار و زعزة الأمن ، إذ تُبرهن على أن الأقاليم الجنوبية تتمتع ببيئة آمنة وجاذبة للأعمال، ما يدحض الدعاية التي تحاول تصوير المنطقة كبؤرة للصراع. تُشكل هذه المشاريع التنموية الكبرى دليلًا على التزام المغرب بتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في الصحراء، وتحويلها إلى قطب اقتصادي حيوي يعود بالنفع المباشر على ساكنة الأقاليم الجنوبية، ويكذب ادعاءات "استغلال الثروات". أيضا هذه الاستثمارات أيضًا تؤكد على صوابية و عقلانية الرؤية الملكية المستنيرة لتحويل المملكة المغربية إلى بوابة استراتيجية لإفريقيا، مؤكدة على دوره كمحور اقتصادي ولوجستي رئيسي في التنمية الإقليمية والدولية. وفي رسالة حاسمة، تعكس هذه الاستثمارات رفض المغرب القاطع لأي "منطقة رمادية" بخصوص الموقف من الصحراء المغربية ، وتُشدد على ضرورة وضوح المواقف الدولية، فكل استثمار في الصحراء المغربية هو بمثابة اعتراف فعلي مباشر بالسيادة المغربية.
وعليه، فإن هذه الاستثمارات تُعد آلية غير مباشرة، لكنها فعالة وقوية، لتعزيز مغربية الصحراء على أرض الواقع. فدمج الأقاليم الجنوبية بشكل متزايد في الاقتصاد المغربي والعالمي، وتطوير بنيتها التحتية على أعلى المستويات (مثل الموانئ والطرق والمطارات ومشاريع التنمية و محطات تحلية مياه البحر ومشاريع الطاقة المتجددة)، بالإضافة إلى خلق فرص عمل واعدة للسكان المحليين بشكل يضمن الانتقال الاجتماعي للساكنة ويقلل من الفقر، فضلاً عن المبادرات المغربية الإقليمية فوق الوطنية كمبادرة تسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي وأنبوب الغاز الأطلسي الإفريقي ومسلسل الرباط للدول الأطلسية ومسار القنصليات، كل هذه العوامل تساهم في ترسيخ الوجود المغربي بشكل ملموس وغير قابل للجدل. هذه المشاريع لا تقتصر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، بل تتجاوز ذلك لتعزيز الثقة الدولية في مستقبل الصحراء تحت السيادة المغربية. ونتيجة لذلك، هذه الاستثمارات ستشكل دافعا للعديد من الدول إلى اتخاذ خطوات سياسية إيجابية، و الأنخراط في مسار "ديبلوماسية القنصليات " مثل فتح قنصلياتها العامة في مدن كبرى مثل العيون والداخلة.
التدفق المتزايد للاستثمارات الأجنبية إلى الأقاليم الجنوبية للمغرب لا يمثل مجرد حراك اقتصادي، بل هو تجسيد عملي لرؤية استراتيجية مغربية تهدف إلى تعزيز السيادة وترسيخ التنمية الشاملة في المنطقة. هذه المشاريع التنموية الكبرى، من البنية التحتية المتطورة إلى خلق فرص العمل وتحسين ظروف العيش للسكان المحليين، كلها عوامل تساهم في دمج الأقاليم الجنوبية بشكل عضوي في الاقتصاد الوطني والعالمي. تعكس هذه الاستثمارات ثقة المجتمع الدولي المتنامية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية تحت السيادة المغربية، وتدعم بشكل لا لبس فيه مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وذو مصداقية. بهذا، يرسل المغرب رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن التنمية والازدهار هما السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار، وأن المنطقة ليست بؤرة صراع بل هي بوابة نحو مستقبل أفضل لإفريقيا.
ختاما تُظهر هذه الاستثمارات أن المغرب تجاوز نقاش السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، محولًا المنطقة إلى قطب اقتصادي ولوجيستي حيوي في خدمة الوطن ككل من طنجة إلى الكويرة ، هذا المسار يؤكد أن الاستثمار والتنمية هما الأدوات الأكثر فعالية اليوم في إرساء الحقائق على الأرض، وتفنيد الأكاذيب والتضليل الذي تروجه الأطراف الإنفصالية و هو الأمر الذي يؤكده خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله قائلا : "الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة. " .