بقلم: الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي
في المغرب، يُشخّص سنويًا ما بين 4000 إلى 4500 مريض جديد في مرحلة القصور الكلوي النهائي.
مصيرهم يرتبط بجهاز اصطناعي موصول بالوريد، أو بأنبوب صغير مزروع في تجويف البطن.
أمامهم خياران في انتظار زرع كلية:
إما التوجه ثلاث مرات في الأسبوع إلى مركز للدياليز الدموي الاصطناعي، أو اعتماد خيار آخر، أكثر تطلبًا: الدياليز البريتواني المنزلي (Dialyse péritonéale).
بين شهادة عبد المجيد، وفاطمة، وطالبة جامعية في ربيعها الحادي والعشرين، ثلاث قصص، ثلاثة قرارات، وكلها تنبع من حاجة دفينة إلى الكرامة، والحرية، والسيطرة على إيقاع الحياة.
عبد المجيد، 53 سنة: «الدياليز البريتواني أعاد إليّ حريتي»
أب فقد ابنته ذات الثانية عشرة، واستقبل بداية عام 2024 بميلاد ابنه.
لم ينسَ ذلك اليوم: 24 يونيو 2012، عيد ميلاده، واليوم الذي أخبروه فيه أنه مصاب بقصور كلوي.
سنوات من الدياليز الدموي في المركز الاستشفائي الجامعي بفاس، ثم في مركز أزرو، حتى نوفمبر 2021، حين خيّره البروفيسور طارق الصقلي، وفريق البروفيسورة نادية قبّالي، أستاذة كلية الطب بفاس، بين الخيارات، فاختار الدياليز البريتواني (DP).
«هذا العلاج المنزلي هو السبيل الوحيد الذي سمح لي بالحفاظ على مهنتي، على أسرتي، وعلى حريتي... رغم صرامة شروط النظافة ومخاطر الالتهاب»، يقول عبد المجيد.
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود: مساطر طويلة للحصول على المعدات، غياب شبه تام للدعم النفسي، وصعوبات كبيرة في إجراءات زراعة الكلية، سواء من حيث التعقيد أو التكلفة.
«نحن لا نطلب المعجزات. فقط أن يصغي إلينا الأطباء. أن يتفهموا لحظات الغضب والانكسار. قليل من التعاطف يصنع فرقًا عظيمًا»، يضيف عبد المجيد.
طالبة، 21 سنة: «لم أختر المرض... لكنني اخترت كيف أعيش معه»
كانت في الثامنة من عمرها عندما بدأت أعراض التعب والإسهال تكشف المستور: قصور كلوي.
وفي سنة 2024، قررت أن تتحرر من الدياليز الدموي، وتختار الدياليز البريتواني.
«أنا طالبة جامعية. الدياليز الدموي ينهكني ويسرق وقتي. أما في المنزل، فقد استعدت زمام يومي. أقل تعبًا، ونظام غذائي أكثر مرونة... والأهم: لا زلت أستطيع التبول، وذلك يعني الكثير».
نضالها اليوم يتمثل في الحفاظ على قدرتها على التنقل، والسفر، وقضاء الليالي عند صديقاتها.
لكن مع الجهاز، والأكياس، والمطهرات، تتحول كل نزهة إلى مهمة طبية متنقلة.
أما السباحة؟ مستحيلة... فخطر الالتهاب كبير.
«أحيانًا أشعر بالقيد... لكنني أُفضِّل هذا على أن أُقيَّد ثلاثة أيام في الأسبوع بسرير المستشفى».
فاطمة أ، 41 سنة: «20 دقيقة علاج… وأعود إلى مشاغلي المنزلية»
منذ سنة 2015، تتعايش فاطمة مع مرضها.
اختارت الدياليز البريتواني لأنه ببساطة... منطقي.
«لا حاجة لقضاء ساعات في مراكز العلاج. في البيت، أُكمل علاجي في 20 دقيقة. ثم أعود للمطبخ، للتنظيف، للحياة».
لكنها لا تتهاون في التفاصيل: غسل اليدين بدقة، استخدام أدوات معقمة، الالتزام بمواعيد الأدوية، زيارات ربع سنوية للطبيب، ونظام غذائي صارم.
«ليست أيامًا سهلة. لكنني أشعر بالاستقلال. وطالما بقيت قادرة على هذا النمط... سأواصل بثبات».
الدياليز البريتواني… علاج يُغيّر الحياة، لكنه يحتاج إلى دعم حقيقي
كما تشرح الأستاذة نادية قبّالي، هذا النوع من تصفية الجسم من الزوائد والسموم يُمارَس في المنزل، ويتطلب تدريبًا دقيقًا، نظافة صارمة، وتعاونًا كاملاً من المريض مع الطاقم الطبي والتمريضي. إنه يمنح حرية ثمينة، خاصة للطلبة، والنساء، والعاملين. لكنه ليس حلًا سحريًا.
فهو يحتاج إلى معدات دورية، متابعة طبية دقيقة، ودعم نفسي واجتماعي حقيقي.