نادية واكرار: الفراغ السياسي المغربي بين التقليد  وتكرار الخطاب

نادية واكرار: الفراغ السياسي المغربي بين التقليد  وتكرار الخطاب نادية واكرار
وها نحن من جديد، في موسم من مواسم السياسة المغربية بحيث تنبعث الأحزاب فجأة من سباتها، لتخرج إلينا بأزياء جديدة، خطابات معدلة ولقاءات مدروسة التوقيت...الخ ....كأنها تستيقظ فقط حين يقرع الجرس من مكان ما أو حين يلوح فصل الانتخابات من بعيد..
لكن..... ما الذي يجعل تحركات الأحزاب في المغرب متشابهة بهذا الشكل الفج؟
 أهو تطبيق حرفي لتوجيهات لا تقال جهرا؟ أم بروتوكول غائب عن علمنا يسري في العروق السياسية دون نص مكتوب؟ أم أن المسألة أبسط من ذلك، مجرّد "تقنية تقليد" خالية من الخيال: نسخ، لصق.... ومزاحمة مجانية في ساحة بلا جمهور حقيقي؟
في الواقع، ...يبدو المشهد الحزبي أشبه بسيرك موسمي تتحرك فيه الخيام السياسية وفق إيقاع خارجي لا ينبع من الداخل ولا يرتبط بهم المواطن أو انشغالات الوطن. تقام الأنشطة حين تفتح النوافذ من فوق، وتصدر البيانات حين تمر العاصفة، ويطلق الوعيد حين يكون ذلك مسموحا. لا توجد دينامية ذاتية، بل فقط استجابات مدروسة في غالب الأحيان لا تخدم سوى الصورة، لا الجوهر...
نفس الوجوه!!!! نفس الخطاب!!!!! نفس الرهانات الباهت!!!!!!
وكأن الأحزاب لم تعد تؤمن بالاختلاف، بل آثرت أن تتشابه حد الذوبان.
تخرج البيانات متشابهة، التصريحات متزامنة، العناوين مستنسخة من بعضها البعض وكأن السياسة تحولت إلى لعبة "copier-coller" يتقنها الجميع ولا يجرؤ أحد على كسرها.
وهنا يبرز السؤال الفلسفي والسياسي العميق الذي لطالما تعذر على المعني بالأمر الإجابة عنه وهو :
هل ما نعيشه هو تجلٍّ للفراغ أم هو انعكاس لانقراض "الفكرة" من الحقل السياسي؟
هل فقدت الأحزاب شجاعتها في التفكير أم ربنا فرض عليها أن تصبح مجرد امتداد لخطابٍ مركزي لا يقبل النقاش ولا يحتمل التعدد؟
لقد تحول الفعل الحزبي عندنا إلى تقليد لا يكتب.... لكنه يمارس:
عندما يصدر خطاب ملكي، تتسابق القيادات لإصدار بيانات تمجيدية لا تقول شيئاً....!!!! و عندما تثار قضية اجتماعية تتحرك الأحزاب بنفس المفردات ثم تعود لنومها بعد انتهاء العاصفة!!!!
و عندما تستدعى صناديق الاقتراع تبعث نفس الوجوه من القبور السياسية لتعيد إنتاج نفس الخيبة!!!!!
أين هو الاجتهاد؟ أين هي الرؤية؟ أين هو المشروع المجتمعي؟
في ظل هذا التكرار الممل أصبح المواطن بلا أمل... ويغدو الفعل السياسي نفسه نوعا من التواطؤ ضد التغيير لا وسيلة إليه.
إن السياسة ليست مجرد وجود موسمي ولا لعبة استنساخ... السياسة إبداع ومسؤولية، تفكير في المصير الجماعي لا في المواقع الفردية....
اننا و للأسف أمام مشهد خالٍ من الإبداع ومثقل بالادعاء.
المشكلة أعمق من مجرد "تشابه في التحركات" بل في تطابق في الفراغ وفي غياب "الاختلاف المنتج"... لقد اختارت الأحزاب طريق التماهي لا التميز، والانقياد لا الاستقلال، فكان الناتج فراغاً بلا ملامح ولا ثقة ولا أفق....
ويبقى السؤال الجارح معلقاً:
هل لا تزال لدينا أحزاب أم مجرد هياكل موسمية، تنبثق حين تناديها السلطة وتختفي حين يناديها الشعب؟
هل نمتلك مشهداً سياسياً حقيقياً أم هو مجرد تمثيل متقن لفكرة السياسة... دون روح السياسة؟
وهل من أمل في أن تعود السياسة إلى مكانها الطبيعي: مرآة للناس، لا مرآة للسلطة؟