نادية واكرار: تمييع المفاهيم الملكية.. أزمة مرحلة أم  هي خلل مؤقت في نخبنا في إنتظار الاستحقاقات المقبلة؟

نادية واكرار: تمييع المفاهيم الملكية.. أزمة مرحلة أم  هي خلل مؤقت في نخبنا في إنتظار الاستحقاقات المقبلة؟ نادية واكرار
فترة ما بعد الانتخابات لا يجب ان نعتبرها فترة نقاهة او لحظة فراغ سياسي بل هي منعطف حاسم ومهم تتجلى فيه النوايا وتختبر فيه جدية الفاعلين داخل المؤسسات السياسية. غير أن ما نلاحظه في الساحة السياسية المغربية هو شيء مجنون. فبعد كل استحقاق انتخابي نقع في فخ او منزلق خطير يقودنا نحو تمييع المفاهيم المرجعية الكبرى لا سيما تلك التي وردت في الخطاب الملكي، والتي أرادها جلالة الملك محمد السادس منارات لإصلاح الدولة وتحديثها.
 
لقد وضع جلالته منذ سنوات خريطة طريق واضحة، قوامها الرزانة، الكفاءة، المسؤولية، وربطها بالمحاسبة، ثم الرؤية التنموية كجوهر مشروع وطني جديد. ليست هذه المفاهيم ترفًا لغويًا، بل مرجعيات دستورية وأخلاقية تؤطر العمل العمومي، وتحدد معايير صناعة القرار.
 
إلا أن ما نلاحظه مع اقتراب تشكيل الحكومات هو ظاهرة تفريغ هذه المصطلحات من مضمونها الحقيقي، وتحويلها إلى شعارات تُردد في البيانات الرسمية والخطابات الحزبية دون أي التزام جاد بفلسفتها أو استيعاب لأبعادها.
فـ"الرزانة" تُحوّل إلى ميوعة في اتخاذ القرار، و"الكفاءة" تختزل في توازنات حزبية ومحاباة، أما "الرؤية التنموية"،  وهي أخطر ما يتم تمييعه، فقد فقدت في كثير من الأحيان بعدها الاستراتيجي، وصارت مجرد ديكور لفظي في البرامج الانتخابية أو وسيلة لتمرير اختيارات تقنية تفتقد للروح الإصلاحية.
 
الرؤية التنموية، كما صاغها جلالة الملك، ليست خطة ظرفية، بل تحول بنيوي في نمط التفكير والتدبير، يقتضي نخبًا جديدة، مؤهلة وملتزمة، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، وردم الهوة بين المواطن والدولة، وبين الخطاب والممارسة.
 
لكن حينما نلتف لاجل رؤية ما الت اليه هذه الرؤية، اول شيء يمكن ان يصد رغبتها في تقصي هذه الامور  بل وبجد من شغلنا للنضال والمشاركة في التجديد والتغيير هو تعيين نفس الوجوه أو الدفع بنفس العقليات التي فشلت مرارا الى تولي قيادة هذه المنابر وتسييرها بحجة الاقدمية و النضال المادي... وغيرهما من المصطلحات الجافية  التي تبرر باك صاحبي وتعطيني نعطيك....اننا وانتم هذه السكيزوفرينيا  لا نكون فقط أمام عجز في الابتكار السياسي، بل أمام سلوك مضاد لروح الدولة الحديثة التي تنشد الفعالية والعدالة والكرامة للمواطن...
 
 التمييع للمفاهيم هو في جوهره، ليس قفط حيادا بل انحرافا خلقيا واخلاقيا... الشيء الذي يهدد الثقة بين الدولة والمجتمع، ويكرّس الإحباط الشعبي، ويقوّض مناخ الإصلاح...
ولأن المواطن المغربي  هو ايضا صامت ، مدرك جيدا للفرق بين الخطاب الصادق والمسلك الملتوي فإننا امام أزمة خطيرة قد تقودنا لعزوف شامل شبابنا عن المشاركة في القرار وخلق هو في مجتمعنا المغربي...
شباب يرى أن هناك من يقف اما  مسألة تفريغ "الرؤية الملكية" من معناها وتمييعها، ويعيد إنتاج نسج خيوط اركاييكية لللممارسات التي بائت منذ الاول بالفشل تحت لواء التجديد...
 
لهذا، فإن ما نحتاجه اليوم ليس فقط حكومة مستجدة وتجديدية فقط، بل وايضا لوعي مؤسساتي، سياسي، اخلاقي جديد ...نمودج و اليات السياسية قطع الصلة مع منطق الغنيمة و الاسترزاق المفرط والعلمية المستفز... نمودج أو حكومة ترتقي إلى مستوى اللحظة التاريخية والتجديد متواز...
 اننا كشعب بسيط في متطلباته وراق في مباراه لا ننتظر من يمثلنا شكليًا بل من ينهض بأعباء الوطنالفعلية... بعيدا عن الشعارات...مرورا مباشرة للإنجاز و التنفيذ...
إن الصراع الحقيقية اليوم هو معركة المعنى تستدعي الحفاظ على الدلالة الرمزية للبلاد بكل اشكالها  والمفاهيم الملكية بمعانيها ومقاصدها وعدم تحويلها إلى ألفاظ معلبة جاهزة للتحميل والتحويل...
فصون المعنى بصون الوطن، واحترام الكلمة هو أولى درجات الوفاء للثقة للوطن...