ميمونة الحاج داهي: قصف السمارة.. هل فقد بعض السياسيين البوصلة إلى هذا الحد؟

ميمونة الحاج داهي: قصف السمارة.. هل فقد بعض السياسيين البوصلة إلى هذا الحد؟ ميمونة الحاج داهي
هل بلغ بنا التهاون في لغة الوطن أن نصف قصف مدينة السمارة بقاذفات بأنه "عمل صبياني" رغم أنها ليست المرة الأولى و لن تكون الأخيرة و سبق أن سقط مدنيا قتيلا في هجوم 2023؟
هل من الصبيانية أن تتساقط القذائف على رؤوس المدنيين؟ أن ترتعد البيوت من الهلع، وأن يهجر النوم عيون الأطفال؟
أليس في هذا الوصف استخفاف بحجم الألم؟
أم أنه مجرد تمرين بلاغي على تليين الحقيقة باسم التوازنات؟
أنا مواطنة من هذا الوطن، أفكر… وأحترق، لا أمتلك سوى سلاح الذاكرة، وجرأة الأسئلة، وشرف أن أكتب بلا نفاق.
وأتوجه إليكم أنتم، الساسة الذين يفترض فيهم أن ينطقوا حين يخرس الصدى، وأن يسمّوا الأشياء بأسمائها لا بنسختها المُخففة.
كيف تُختزل جراحنا في توصيف لغوي ضبابي؟
وهل نسيتُم أن هذه ليست المرة الأولى؟ 
أمكالا، أم ادريكة، تشلا، كلتة زمور، حوزة،راس الخنفرة، الزلاقة، لمسيد، فم الحصن، آسا الزاك، طانطان، المحبس، الكركرات، "إرهاب مخيم اكديم ايزيك"، آلاف الألغام المضادة للأفراد مزروعة في الصحراء، و غيرها من موقعة وأخرى تسرد لنا قصص الدم… كلها دماء سالت في صمت.
هل تذكرتم؟
ثم، بعد كل هذا، نجد في خطاب بعضكم من يصف المعتدين بـ"الإخوة" و"بني العمومة"، بل ويقول إن "بعضهم مغاربة"!
أي مغرب هذا الذي يسمح بالقتل والخيانة والغدر ثم يعيد تمليك الهوية لمن مزّقها بأفعاله؟ المغربي، لمن نسي، ليس من وُلد هنا فقط، بل من يغار على بلده، يدافع عن وحدته، يصون سيادته، ويحرس أمن المغاربة وسلامهم حتى بكلمة.
أتساءل، هل فكرتم للحظة في شعور أسر الشهداء وأنتم تطلقون تلك العبارات الخشبية؟
ماذا نقول لأمّ دفنت ابنها وهو في ربيعه العشرين دفاعًا عن صحرائه؟
كيف نُقنع أرملة أن قاتل زوجها "ابن عم"؟
وهل يكفي التبرير، أن السياسة تقتضي لُيونة؟ أم أن ما تفعلونه هو تسييل للذاكرة، وتبريد للغضب، وتجميل للخيانة؟
الملك محمد السادس حسم هذا النقاش بوضوح لا يحتمل التأويل، حين قال: "نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فأما أن يكون المواطن مغربيًا أو غير مغربي. وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف والتملص من الواجب. ودقت ساعة الوضوح: فأما أن يكون الشخص وطنيًا أو خائنًا."
دقّت الساعة فعلًا، ساعة الوضوح، ساعة الانفصال التام بين من ينتمي لهذه الأرض، ومن ينتمي لمشروع طعنها.
أما أنتم، فتختارون كلماتكم بعناية، كأن لا دم سال، ولا قذائف نزلت، ولا وطن تأذّى.لكن تذكّروا: الوطن لا يغفر للغموض في زمن الحقيقة، ولا يرحم من صمت أو تواطأ أو خفّف وقع الجريمة.
فإما أن تنطقوا بما يليق، أو تصمتوا احترامًا لمن دفعوا ثمن السيادة بأرواحهم…وأنا، كامرأة مغربية من نسل رجل سقط دفاعا عن وحدة هذا البلد و ابنة أخت رجل فُقد لأجل سيادة هذا الوطن ، وحفيدة رجل دنست بيته أحذية مرتزقة الجبهة بآسا، لن أساير هذا الانحدار في لغتكم، لأنني اخترت منذ البدء أن أكون في صفّ الوطن، لا على حوافه.