وقال محمد الغيث في تصريح لجريدة "أنفاس بريس"، أن جبهة البوليساريو قامت بأعمال عدائية مثل قصف معبر الكركارات واستهداف مدنيين في مدينة السمارة، وقد تبنت هذه الأعمال رسميًا، مما يندرج تحت تعريف الإرهاب وفق القانون الجنائي الدولي. لذا، لا يمكن التردد في تصنيفها تنظيماً إرهابياً طالما أن الأفعال الإرهابية مثبتة وموثقة.
فيما يلي التصريح الكامل لمحمد الغيث ماء العينين:
تابعتُ باستغراب تصريح عبد الله بوانو، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، الذي أعرب فيه عن عدم تحمّس حزبه لتصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي، معللًا ذلك بكون أعضاء هذه الجبهة “مغاربة أخطؤوا”.
وإنني، إذ أحترم حقه في التعبير عن رأيه، أرى من واجبي كمواطن مغربي أن أوضح ثلاث نقاط أساسية في هذا الصدد:
أولًا: قضية الصحراء المغربية تُعد من الثوابت التي يلتف حولها كل مكونات الأمة المغربية. والأحزاب السياسية، على اختلاف مرجعياتها، تتقاسم هذا الإجماع التاريخي والسياسي. ومن هذا المنطلق، لا مجال للمزايدة في الوطنية، ولا لادعاء احتكار الصواب في الدفاع عن القضية. وهنا أؤكد بكل وضوح أنني لا أزايد على حزب العدالة والتنمية في وطنيته، ولا أشكك لحظة في صدق التزامه بقضايا الوطن. لكن في المقابل، فإن كل من يشذ عن هذا الإجماع، أكان فردًا أو رأيًا عابرًا، لا يُقاس عليه ولا يُعتد به، بل يؤكد بخرقه صلابة التلاحم الوطني حول وحدتنا الترابية، ولا يعدو أن يكون الاستثناء الذي يثبت القاعدة.
ثانيًا: تصريح بوانو بأن “أعضاء البوليساريو مغاربة أخطؤوا” فيه قدر كبير من التبسيط والخطأ المعرفي والسياسي. فالحقيقة المعروفة والمؤكدة، حتى في الوثائق الأممية، هي أن المنحدرين من أصول صحراوية مغربية لا يمثلون سوى أقلية ضمن سكان مخيمات تندوف، وأن النواة الصلبة لجبهة البوليساريو تتكوّن أساسًا من عناصر لا علاقة لها بالمغرب، لا جغرافيًا ولا سياسيًا. وعليه، كان من المنتظر من برلماني مخضرم، ينتمي لحزب ترأس الحكومة مرتين، وكان من وزرائه من قاد وزارة الخارجية، أن يُبدي مزيدًا من الدقة والمسؤولية في توصيف هذا المعطى الحساس. فقول الحقيقة ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل مسؤولية سياسية لا يجوز التفريط فيها.
ثالثًا: قبل أن يُفتي بوانو في ما إذا كان من المناسب تصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي، كان من الأجدر به أن يبدأ، كما يقتضي المنطق السليم والتحليل القانوني الرصين، من توصيف الأعمال التي قامت بها الجبهة الانفصالية. فالجبهة قصفت معبر الكركارات، وهو ممر بري دولي مدني، واستهدفت مدينة السمارة داخل التراب الوطني أكثر من مرة، مما أدى إلى استشهاد مدنيين. والأسوأ من ذلك أنها لم تنفِ هذه الأفعال، بل تبنّتها رسميًا وافتخرت بها إعلاميًا.
وهنا يطرح السؤال الجوهري نفسه: إذا كانت هذه الأفعال ـ قصف مدنيين وتبني ذلك إعلاميًا ـ تُشكّل في ذاتها أعمالًا إرهابية وفقًا لمعايير القانون الجنائي الدولي، فبأي منطق يمكن التردد في وصف من يرتكبها بأنه “فاعل إرهابي”؟ إن التصنيف، الذي أشار إليه بوانو، لا يمكن أن يُطرح قبل المرور بهذه المرحلة الجوهرية: مرحلة التوصيف الموضوعي الدقيق للأفعال، والتي لا تترك مجالًا للّبس. فالوصف يسبق التصنيف، تمامًا كما أن الواقع يسبق الموقف. ومن يمارس الإرهاب ويفتخر به، فقد عرّف نفسه قبل أن يُعرّفه غيره.
ختامًا، أعتقد أن بوانو، ومعه حزب العدالة والتنمية، مدعوٌّ إلى إصدار توضيح رسمي يراجع فيه هذه المواقف، أو على الأقل يوضح سياقها، حرصًا على الانسجام مع الموقف الوطني العام.