جمال الدين ريان: ملف مغاربة العالم بين رمزية الخطاب وإخفاق التنفيذ.. أي دور لبوريطة؟

جمال الدين ريان: ملف مغاربة العالم بين رمزية الخطاب وإخفاق التنفيذ.. أي دور لبوريطة؟ جمال الدين ريان
منذ سنوات، لا يكاد يخلو خطاب ملكي من التذكير بمكانة مغاربة العالم والدعوة إلى صون كرامتهم وتعزيز ارتباطهم بوطنهم الأم. ورغم هذه التوجيهات الملكية المتكررة والواضحة، إلا أن سياسات الحكومة ظلت متعثرة في مواكبة تطلعات الجالية، حيث يتجلى نوع من الانفصام بين الخطاب والممارسة، وبين الإرادة العليا والتطبيق الإداري الباهت. ويبدو أن وزارة الخارجية، تحت إشراف الوزير ناصر بوريطة، لم تنجح في ترجمة هذه التوجيهات إلى خطوات ملموسة أو إصلاحات هيكلية تعكس حجم الرهان الوطني على الجالية المغربية.

الوزير بوريطة، المشرف على ملفات حساسة كالدبلوماسية وقضية الصحراء والعلاقات الثنائية، يبدو أنه تعامل مع ملف مغاربة العالم كقضية ثانوية، تُدار على الهامش، دون اعتبار لمكانتها الاستراتيجية. ازدواجية المهام بين الخارجية وشؤون الجالية أضعفت التركيز والتتبع، وتركت فراغًا مؤسساتيًا ترجمته القنصليات على شكل خدمات متدهورة، وإجراءات بيروقراطية تعكس ضعف التنسيق والتأطير. فضلاً عن ذلك، فإن تعيين الكاتب العام المسؤول عن القطاع، دون مراعاة الكفاءة أو الخبرة في قضايا الهجرة والجاليات، يثير تساؤلات مشروعة حول المعايير المعتمدة ومدى احترام الأولويات الوطنية في هذا الباب.

الإخفاق لا يقتصر على الأداء الإداري، بل يطال فلسفة تدبير هذا القطاع برمته. فبرامج الدعم الثقافي والتربوي لأبناء الجالية لا تزال محدودة، لا تستجيب لمتغيرات الهوية والانتماء في المهجر، ولا تحاكي تحديات الجيل الجديد. أما على المستوى الاقتصادي، فلا توجد سياسة فعالة تشجع استثمارات مغاربة العالم أو تسهل إدماجهم في المشاريع الوطنية، بل غالبًا ما يصطدمون بعراقيل قانونية وإدارية حين يرغبون في التملك أو مباشرة الأعمال، وكأن المغرب لا يرحب بأبنائه من الخارج إلا حين يعودون حاملين العملة الصعبة. التهميش لا يطال فقط الحقوق، بل يصل إلى مستوى الإنصات، حيث تغيب أي آلية مؤسساتية تضمن إشراك الجالية في اتخاذ القرار أو التعبير عن انتظاراتها داخل دوائر الدولة.

الخلل الأكبر قد يكون في غياب الرؤية الواضحة، أو بالأحرى في غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح. إن استمرار تعيين المسؤولين بعيدًا عن منطق الكفاءة، والانشغال بالملفات الخارجية على حساب الجبهة الداخلية، يكشف أن ملف مغاربة العالم لا يحظى بالأهمية التي يستحقها داخل بنية الحكومة الحالية. وهو ما يجعل الفجوة تتسع، والثقة تتآكل، بين الجالية ومؤسسات وطنها.

التصحيح ممكن، لكنه يمر عبر إرادة سياسية جديدة، تعتبر الجالية المغربية في الخارج رافعة حقيقية للتنمية، وليس فقط خزانًا للتحويلات المالية. يجب إعادة هيكلة القطاع، فصل مهامه عن الملفات الدبلوماسية الثقيلة، وتعيين مسؤولين متخصصين يحملون رؤية وخبرة حقيقية. كما يجب تعزيز البرامج الثقافية والتعليمية، تحسين الخدمات القنصلية عبر الرقمنة، والأهم من ذلك كله، خلق آليات دائمة للحوار مع الجالية، تصغي لهم وتمنحهم موقعًا في صياغة السياسات العمومية. وحده هذا المسار كفيل برد الاعتبار للجالية المغربية، وتجسيد الرؤية الملكية التي ظلت حبيسة الخطب دون أن تجد طريقها إلى أرض الواقع.