يونس مجاهد: أخلاقية قبل أن تكون سياسية

يونس مجاهد: أخلاقية قبل أن تكون سياسية يونس مجاهد
تحولت الندوة التي نظمتها اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، في مدينة الداخلة، إلى مرافعة أخلاقية ضد الدعاية الانفصالية، رغم أن موضوعها كان أكاديميا-مهنيا، تحت عنوان "التكامل بين صحافة الجودة والتربية على الإعلام"، ولم يكن الموضوع هو قضية الصحراء المغربية.
 
غير أن المشاركين وجدوا أنفسهم وهم يناقشون محاور هذه الندوة، مثل صحافة التضليل والأخبار الكاذبة وزرع الكراهية بين الشعوب... أمام مفارقة لا يمكن تجاهلها، فهم في منطقة تعرضت للدعاية الكاذبة وللتضليل، أكثر من أية منطقة أخرى في العالم، وما عاشوه وشاهدوه، لا يمت بصلة إلى ما يروج في العديد من المنابر ولدى المنظمات ومواقف بعض الأطراف، حول الأقاليم الصحراوية للمغرب.
 
هذا التضليل الإعلامي، هو ما كشفه الصحافي السوداني، الصادق الرزيقي، الذي قال "عندما وطأت اقدامي مدينة الداخلة في جنوب المغرب ، وجدت أنني من ضحايا التضليل الإعلامي والصورة النمطية التي كانت تصنع وترسخ عن قضية الصحراء، فقد كنت ضحية للأخبار المزيفة والمضللة، أتذكر تلك المعلومات عن التهميش السياسي والظلم التنموي والاجتماعى وعدم إعطاء الحقوق لمواطني الصحراء المغربية ، فقد كانت الصورة المنمطة دائماً ما تصوّر أهل هذه المنطقة بأنهم فقراء مظلومين مهمشين لا حول لهم ولا قوة ، يعيشون على هامش الحياة السياسية والاقتصادية ، فإذا بي هنا أتفاجأ أنني في مدينة حديثة ناهضة شابة، فيها كل مقومات الحياة الحديثة، وجدت المجتمع هنا متماسكا لا توجد في أوساطه أياً من تلك الفتن والاباطيل التي تبثها الدعاية السياسية السوداء".
 
وهي نفس القناعة التي وصل إليها الصحافي الفلسطيني، محمد مهنا، الذي حكى أن الصورة الذهنية التي تتكون لدي، كغالبية من سمعوا بها من بعيد، أن مدينة الداخلة تعج بالحواجز العسكرية، بالتدقيق الأمني الصارم، والجو المشحون بالتوتر. "كانت تتردد في ذهني دائمًا عبارات مثل: "منطقة صراع"، "نزاع طويل الأمد"، "مدينة على الهامش". وبدأت أتساءل: هل سأتمكن من التحرك بحرية في هذه المدينة؟ هل يُسمح بالتصوير؟ هل يمكن الحديث مع الناس براحة؟ باختصار، كنت أتخيلها منطقة مغلقة، محاطة بالأسلاك، وسكانها يعيشون في عزلة خشية المجهول.
 
لكن كل تلك التصورات بدأت تتبدد، منذ اللحظة التي أقلعت فيها الطائرة من مطار الدار البيضاء باتجاه الداخلة. ما شدني وأنا أركب الطائرة، هو أن المقاعد كانت ممتلئة بالكامل. كان نصف الركاب من المغاربة، والنصف الآخر من الأوروبيين؛ بعضهم شباب في مجموعات صغيرة، وبعضهم أسر كاملة مع أطفالهم. وهنا وجدت نفسي أتساءل بفضول: لماذا يأتي هؤلاء إلى "منطقة صراع"؟ ما الذي يجذبهم؟ ما الذي لا أعرفه عن هذه المدينة؟".
 
يذكر محمد مهنا أنه اكتشف أن هؤلاء الأوروبيين من عشاق رياضة ركوب الأمواج، في منطقة لا أثر فيها للصراع والمواجهات، التي تصورها الدعاية النمطية عن المنطقة. وقال إن خلاصة زيارته للداخلة، بعد أن تجول في المدينة وتحدث مع الناس، هي؛ "انزع عنك أحكامك المسبقة".
 
لتفكيك هذه الصور النمطية، فإنّ أفضل وسيلة هي السفر، والسير في شوارع العالم، والحديث مع الناس دون أحكام مسبقة أو أقنعة، قال الصحافي المكسيكي، عمر سيبيدا كاسترو، واعتبر "أن الأمثلة الواضحة حول التضليل هو أيضاً ما يجري في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث تُنسج الكثير من الأكاذيب، في حين أنّ الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماما."
 
منهجية النزول إلى الميدان، هي التي دعا إليها الصحافي الإسباني، خافيير فرنانديز أريباس، الذي اعتبر أن صحافة الجلوس في المكاتب والإعتماد على ترديد الصور النمطية، لا تعكس الحقيقة، حول قضية الصحراء المغربية.
 
ومن بين المشاركين في هذه الندوة التي نظمت على مدي يومين، 20 و21 يونيو الجاري، من سبق له أن كان متحمسا للأطروحة الانفصالية، غير أنه اكتشف زيف ادعاءاتها، وقام بمراجعة لمواقفه، كما حصل للصحافية الباسكية، باتريسيا مدجيدي خويث، التي سافرت إلى تندوف للقيام بتحقيق حول أوضاع الصحراويين، فإذا بها تجد نفسها أمام حقائق أخرى، غير تلك التي ترويها السردية الانفصالية، فأنجزت فيلما وثائقيا حول الموضوع. وهو ما اكتشفه أيضا الصحافي ريكاردو سانشيز سيرا، من البيرو، الذي قال "أنا لا تنطلي على الحكايات، لقد زرت تندوف ورأيت أنها سجن كبير... هناك شاهدت القمع وفي الداخلة استنشقت هواء الحرية".
 
ما حصل في ندوة الداخلة، هو أن المشاركين الأجانب، الذي بلغ عددهم خمسة وثلاثون، أتوا من إسبانيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي وإفريقيا، وجدوا أنفسهم أمام سؤال أخلاقي، فالأمر لا يتعلق بموقف سياسي مسبق، بل بالمهنية، التي تقتضي إعمال منهجية البحث والتقصي، وليس ترديد الصور النمطية والسقوط في فخ الدعاية الكاذبة، فالمسألة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.