لقاء مع البروفيسورة نادية قبّالي، أستاذة أمراض الكلى بالمركز الاستشفائي الجامعي بفاس
حاورها: الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في الإعلام الصحي والتواصل الطبي
لحد الساعة هناك 41000 الف مريض مغربي في الحالات المتأخرة من القصور الكلوي والذين يستفيدون من غسيل الكلى الاصطناعي الذي يضطر المريض إلى التنقل أسبوعيا ثلات مرات إلى مراكز غسل الدم.
وحسب الاحصايات المغربية هناك 1000 مريضا جديدا سنويا يصل إلى حالة القصور الكلوي النهائي الذي يحتاج إلى الغسل الآلي للكلي.
الطب طور اسلوبا فعالا آخر لغسل الكلي يمكن للمريض أن يقوم به في منزله دون الإضطرار إلى التنقل إلى مركز غسل الكلي.
هذا الأسلوب يسمى الدياليز البريتواني Dialyse Péritonéale أنطلاقا من الغشاء الذي يغطي الجهاز الهضمي.
للتعرف على هذه الطريقة الفعالة لغسل الكلي أجرى موقع أنفاس بريس حوارا مع إحدى الطبيبات القلاءل المتخصصات في هذا النوع من غسل الكلي : البروفيسورة نادية قبالي، أستاذة طب الكلي بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس وطبيبة بمصلحة الكلي بالمركز الاستشفائي الجامعي بفاس.
في ظل الارتفاع المستمر في حالات القصور الكلوي المزمن، بالمغرب كما في باقي دول العالم، تبقى طرق العلاج مقتصرة لدى شريحة واسعة من المواطنين على الدياليز الدموي.
غالباً ما تحتكر "الدياليز الدموي"، أي تصفية الدم في مراكز خاصة، الواجهة، بينما تظل تقنية "الدياليز البيرتواني" dialyse peritoneale في الظل، رغم مزاياها الطبية والإنسانية.
ولفهم هذا الخيار العلاجي المختلف، تحدثنا إلى البروفيسورة نادية قبّالي، وهي من أبرز المدافعين عن أهمية إدماج هذا النوع من العلاج ضمن المنظومة الصحية المغربية.
ما هو الدياليز البريتواني؟ وكيف يختلف عن الديال الدموي؟
د. أنور الشرقاوي: ما المقصود بالدياليز البريتواني؟ وكيف يختلف عن الدياليز الدموي الشائع؟
البروفسور نادية قبّالي: الدياليز البريتواني هو علاج لحالات القصور الكلوي النهائي، مثل الديال الدموي، لكن بأسلوب مختلف.
يعتمد على الغشاء البريتواني الموجود طبيعيًا في البطن كمرشح لتصفية الفضلات والمياه الزائدة، من خلال إدخال محلول خاص عبر قسطرة مثبتة في البطن.
يُستبدل هذا المحلول عدة مرات يومياً.
الميزة الأبرز هي أن هذا العلاج يمكن إجراؤه في المنزل، من طرف المريض نفسه أو أحد أفراد أسرته بعد تدريب مناسب، دون الحاجة إلى التوجه الدائم إلى مراكز بها أجهزة ضخمة كما هو الحال في الدياليز الدموي.
الفوائد الطبية والاعتبارات الصحية
الدكتور الشرقاوي: ما هي أهم الفوائد الطبية لهذه التقنية؟
الأستاذة قبالي: الدياليز البريتواني يوفر تصفية مستمرة وأكثر لطفاً، وهو بذلك أقرب إلى وظيفة الكلى الطبيعية.
هذا يؤدي إلى تقليل الإرهاق، تجنّب انخفاض الضغط، والحفاظ على استقرار المؤشرات البيولوجية.
كما يساعد في الحفاظ على ما تبقى من وظيفة الكلى لفترة أطول، وهو ما يُحسن جودة الحياة ويزيد فرص البقاء.
كذلك، يتلاءم أكثر مع كبار السن أو المرضى الهشّين لأنه لا يحتاج إلى الوصول إلى الأوعية الدموية ولا إلى جلسات مرهقة.
الدكتور الشرقاوي: هل توجد مخاطر أو مضاعفات لهذا النوع من الديال؟
البروفسور قبالي: نعم، أبرزها التهاب البريتوان، أي تجويف البطن، خاصة إذا لم تُحترم قواعد النظافة الصارمة.
لكن بالتكوين الجيد والمرافقة المستمرة، يمكن تفادي هذا الخطر.
هناك أيضًا احتمال ظهور فتوق، انسداد القسطرة، أو إرهاق الغشاء البريتواني مع مرور الوقت، لكنها مضاعفات معروفة وتخضع للمتابعة الطبية المنتظمة.
الدكتور الشرقاوي: من هم المرضى الأنسب لهذا العلاج؟
البروفسور قبالي: كل مريض قادر على التعلم أو لديه مُعيل ملتزم.
هذه التقنية مثالية للأطفال، لسكان المناطق النائية عن مراكز الدياليز، أو لمن يريد الحفاظ على نمط حياة طبيعي.
بعض الحالات مثل العمليات الجراحية السابقة في البطن أو السمنة المفرطة قد تصعّب الأمور لكنها لا تمنع العلاج بشكل قاطع.
أثر الدياليز البريتواني على الحياة اليومية
الدكتور الشرقاوي: كيف يؤثر هذا العلاج على الحياة اليومية للمريض؟
البروفسور قبالي: يمنح المريض حرية كبيرة.
الكثيرون يواصلون العمل، الدراسة، والسفر.
يتطلب الأمر بعض التنظيم، إذ يتم تبديل المحلول 3 إلى 4 مرات يومياً، أو باستعمال آلة ليلية، لكنه يمنح مرونة لا توفرها جلسات الدياليز في المراكز.
الدكتور الشرقاوي: وما دور الأسرة في هذا المسار؟
البروفسور نادية قبالي: دور أساسي ومحوري.
وجود شخص مكوَّن يرافق المريض يعزز الثقة ويُسهل التعايش مع العلاج.
حتى لو كان المريض مستقلاً، فإن علمه بوجود دعم من شخص قريب يُطمئنه، خصوصاً في البداية.
الدكتور الشرقاوي: هل تختلف قابلية تقبل العلاج حسب المناطق أو الثقافة؟
البروفسور قبالي: نعم، ففي بعض الثقافات يُنظر للعلاج المنزلي كأمر سلبي، بينما في ثقافات أخرى يُعد دليلاً على الاستقلالية والمسؤولية.
كل شيء يعتمد على جودة المعلومات التي يتلقاها المريض.
حين تكون واضحة ومبسطة، يقتنع أغلب المرضى بسهولة.
الدكتور الشرقاوي: ما هي أبرز المخاوف الشائعة لدى المرضى؟
البروفسور قبالي: الخوف من القسطرة، من العدوى، أو من عدم القدرة على تدبير الأمر بمفردهم.
لهذا نؤكد على أهمية التكوين، والمتابعة، والدعم المستمر.
لا بترك المريض وحيداً.
خيار اقتصادي واستراتيجي للمغرب
الدكتور الشرقاوي: هل الدياليز البريتواني خيار اقتصادي مجدٍ؟
البروفسور قبالي: بالتأكيد.
لا يتطلب وسائل نقل يومية، ولا تجهيزات ثقيلة.
بالنسبة للدولة، هو أقل تكلفة على المدى الطويل، وللمريض يقلص النفقات غير المباشرة كالتنقل والوقت الضائع.
الدكتور الشرقاوي: كيف يُموّل هذا العلاج في المغرب؟
البروفسور قبالي: يُغَطى بنسبة 100% في إطار التأمين الإجباري، نظريًا.
لكن في الواقع، بعض المستلزمات المنزلية لا تدخل ضمن التغطية، وبعض البروتوكولات تتجاوز السقف المخصص، ما يؤدي إلى مصاريف إضافية تُعيق انتشار هذه التقنية.
الدكتور الشرقاوي: هل يُعتبر خياراً مثالياً للدول ذات الدخل المحدود أو المتوسط؟
البروفسور نادية قبالي: نعم، خاصة في المناطق القروية حيث يصعب إنشاء مراكز الدياليز.
بوسائل بسيطة وتنظيم جيد، يمكن أن ينقذ هذا العلاج أرواحاً في بيئات محرومة.
الدكتور الشرقاوي: وماذا عن الدول الغنية؟
البروفسور قبالي: الغريب أن انتشاره فيها أقل أحياناً، لأن مراكز الديال الدموي قائمة وتدرّ أرباحاً.
كما أن اعتماد الدياليز البريتواني يتطلب إعادة تنظيم الخدمات والرعاية المنزلية.
الدكتور الشرقاوي: ما المطلوب فعله في المغرب لتشجيع هذا النوع من العلاج؟
البروفسور نادية قبالي: نحتاج إلى تكوين مهنيين، توعية المرضى، وبناء شبكة لوجستية فعالة.
إنه اختيار ذكي للصحة العمومية، ويجب كذلك دعم جمعيات المرضى لأنها تلعب دوراً محورياً في التوعية والمرافعة.
خلاصة إنسانية وصحية
الدياليز البريتواني ليس حلاً ثانوياً أو اضطرارياً، بل خيار علاجي قائم بذاته.
يمنح جودة حياة أفضل، تكلفة أقل، واستقلالية أكبر للمرضى.
لقد آن الأوان لتسليط الضوء عليه، إدماجه بوضوح في السياسات الصحية، وتكييفه مع الواقع المغربي.
لأن المريض، حين يكون مُطّلعاً ومُرافقاً، يستطيع أن يختار بحرية ما يناسبه — بل وأحياناً أن يدمج بين الدياليز البريتواني والدموي ضمن مسار علاجي مخصص له.