أريري: مغاربة ألمانيا.. من مناجم الفحم إلى سدة الحكم!

أريري: مغاربة ألمانيا.. من مناجم الفحم إلى سدة الحكم! عبد الرحيم أريري ( يسارا) ويونس الشوري من مغاربة فرانكفورت
في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا المقال، يتم ضخ مبلغ 12.672 أورو، في حساب الخزينة العامة للمغرب، بفضل التحويلات السخية للعملة الصعبة من طرف مغاربة ألمانيا.
 
فحسب إحصائيات البنك المركزي الفيدرالي الألماني، فإن المغاربة المقيمين بألمانيا حولوا لبلدهم في سنة واحدة ما مجموعه 112 مليون أورو، أي أن مغاربة ألمانيا يحولون في اليوم ما قيمته 305 آلاف أورو يوميا (12.672 أورو في الساعة).
 
وإذا استأنسنا بأرقام مكتب الصرف لعام 2024، نجد أن مغاربة العالم ككل حولوا للمغرب بالعملة الصعبة ما مجموعه 117،7 مليار درهم ( 17،7 مليار دولار). أي أن تحويلات مغاربة ألمانيا تشكل حوالي 0،6%  من مجموع تحويلات المهاجرين.
 
فكيف أمكن للمغاربة الهجرة إلى ألمانيا؟ ومتى انطلقت الموجة الأولى من الهجرة لبلد الجيرمان؟ وما هي الأحواض المغربية التي قامت بتصدير المهاجرين؟ بالمقابل ماهي الأحواض الألمانية التي استقبلت المغاربة المهاجرين؟
 
للجواب على هاته الأسئلة، استأنست بدراسة للباحثة في الدراسات المشرقية Khatima Bouras-Ostmann، أستاذة بجامعة "بوخوم" Bochum، تحت عنوان: "مغاربة ألمانيا"، وهي الدراسة التي ترجمتها من اللغة الألمانية للفرنسية زميلتها Johara Berriane، أستاذة الأنتروبولوجيا، بجامعة ميونيخ Munich ( نشرتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج سنة2022).
 
حسب الدراسة المذكورة، فأكبر موجات الهجرة نحو ألمانيا الغربية (لا ننسى أننا في زمن تقسيم البلد بعد الحرب العالمية الثانية)، واستيراد اليد العاملة من مختلف دول العالم، تمت بين 1950و 1973. وكانت أول الدول المستفيدة من هذه الاتفاقيات لتصدير أبنائها للعمل في ألمانيا هي: إيطاليا واليونان تم تركيا وإسبانيا والبرتغال ويوغوسلافيا الشيوعية آنذاك.
 
المغرب لم يدخل للرادار الألماني إلا في يوم 21 ماي 1963، تاريخ توقيع أول اتفاقية بين ألمانيا والمغرب لاستيراد اليد العاملة.
 
تقول khatima Bouras-Ostmann، أن الموجة الأولى من العمال المغاربة جيئ بهم للعمل في مناجم الفحم بألمانيا لتوليد الطاقة لتحريك ماكينة الاقتصاد الألماني. وكان من الطبيعي أن يكون شريط وجدة الحسيمة، مرورا بأحفير والناظور، هو الحوض الأكثر استقطابا للمهاجرين بألمانيا، لوجود ماضي وتجربة في العمل بالمناجم والحديد بهاته المناطق المغربية منذ عهد الاستعمار. تم تلت ذلك موجة أخرى من اليد العاملة للعمل بقطاع الصلب وصناعة السيارات، وهذا ما يفسر تمركز نسبة مهمة من المغاربة في مدن ولاية Rhénanie-du-nord Westphalie بنسبة 43% وبمدن ولاية Hesse بنسبة 32%.
 
لكن بعد الصدمة النفطية لعام 1973، ستلجأ ألمانيا إلى وقف المد الهجروي، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى إيقاف تدفق المغاربة. إذ بفضل استغلال سياسة التجمع العائلي أمكن لعشرات الآلاف من المغاربة التوافد على ألمانيا من 1974 إلى أواخر 1985.
 
بعد انهيار جدار برلين في سنة 1989، وقع انزياح في أحواض تصدير اليد العاملة نحو ألمانيا، إذ برزت مدن: فاس، طنجة، الرباط، مراكش، البيضاء، القنيطرة، وغيرها من المراكز الحضرية.
 
إلا أن الهجرة المغربية نحو ألمانيا لم تمثل سيلا جارفا بعد توحيد الألمانيتين ( الشرقية والغربية) في أكتوبر 1990. إذ كانت بروفيلات أخرى تتوافد بكثافة على ألمانيا الموحدة مستفيدة من توسيع "الاتحاد الأوربي" عام 2004، من قبيل مهاجرين ينتمون إلى: إيستونيا، ليتوانيا، مالطا، بولونيا،سلوفاكيا سلوفينيا، تشيك، وهنغاريا؛ ثم من دول أخرى: رومانيا وبلغاريا، بعد 2007. بحيث ارتفع عدد المهاجرين من أوربا الشرقية نحو ألمانيا بنسبة 12،5% بين 2009 و2020.
 
بعد اندلاع ما يسمى ب "الربيع العربي" عام 2011 وما تلاه من تمزق الأوطان بالشرق الأوسط، عرفت ألمانيا تدفقا هائلا للمهاجرين من سوريا ولبنان .
 
وإذا كان مغاربة ألمانيا لا يشكلون سوى 1،3% من مجموع المهاجرين بألمانيا، ولا يشكلون سوى 0،3% من مجوع سكان ألمانيا، فإن الصورة الغالبة المرسومة عن المغاربة هي اندماجهم بسرعة في النسيج الألماني من جهة، وانضباطهم في المسلسل الإنتاجي بشكل يجعل نسبة البطالة في صفوف المغاربة هي الأقل مقارنة مع الجاليات الأخرى ( تركية كانت أو من دول يوغوسلافيا السابقة، او بولونية أو سورية أو رومانية، الخ..).
 
ويكفي الاستشهاد بمؤشرين اثتين: 
الأول، يتجلى في أنه من مجموع المغاربة بألمانيا البالغ 315 ألف فردا ( لا نحتسب غير الشرعيين)، هناك 235 ألف مغربي يحملون الجنسية الألمانية، أي ما يمثل 75% من المجموع، وهذه نسبة لا نجدها عند الجاليات الأخرى.
المؤشر الثاني، يتجلى في أن الناتج الداخلي الخام الألماني يعتمد بالأساس على قطاع الخدمات، وبحكم الانطباع الجيد المسجل عن مغاربة ألمانيا، فإن 83% منهم يعملون في هذا القطاع الحيوي، وهو القطاع الذي بدأ يجذب نخبة المغاربة الذين حملتهم موجات الدراسة بجامعات ألمانيا منذ أواخر تسعينات القرن العشرين ( في الهندسة المالية والمعلوميات والتكنولوجيا الحديثة والرياضيات والبيولوجيا، إلخ...)، ولما تخرجوا من المعاهد والكليات اختاروا الاستقرار بألمانيا والذوبان في مجتمعها والانصهار فيه، بل وإكثار سواد الأمة في بلاد الجيرمان. ولم لا،  الحلم بأن ينجب مغاربة ألمانيا مستقبلا رجالات ونساء لتثبيثهم في مراكز القرار الحكومي والبرلماني سواء في مؤسسات الحكم الفيدرالية أو الجهوية.
 
فبعد 62 سنة من زرع جينات المغرب في ألمانيا، من حق مغاربة ألمانيا أن يكون لهم موطئ قدم في دواليب الحكم المركزي ببرلين وبباقي الجهات landers، إسوة بما حققه إخوانهم المغاربة في دول أوربية أخرى. 

وإن تحقق ذلك سيبتهج المغرب بوجود "سفراء مغاربة ناعمين" في مسارب القرار في ألمانيا باعتبار هذه الأخيرة أقوى دولة في أوربا.
 
ملحوظة:
الصورة مع يونس الشوري، أحد قدماء مغاربة ألمانيا، خريج الجامعة الألمانية في مطلع الألفية الحالية. يشتغل إطارا معلوماتيا في مركز تكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة المالية الفيدرالية بفرانكفورت.