عبدالغني السلماني:  رهانات الحرب وامتداداتها

عبدالغني السلماني:  رهانات الحرب وامتداداتها عبدالغني السلماني

"قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"   تنسب للشافعي

 

   نقطة نظام:

المتتبع والقارئ للأحداث الجارية في الشرق الأوسط يُحار في فهم الأحداث ويصعب عليه اتخاد الموقف المؤسس و الملائم ، ومادام ردود الفعل الأولى تكون ممزوجة بالعاطفة، يكون النقاش فيه حدة؛ وهذا طبيعي ومتميز. لأن الأمر لا يتطلب كل هذا التنابز مادمنا نكتب ونتكلم فقط بدون أسلحة؟  باستثناء أصحاب السرديات الثابتة من تصر على إنتاج  الموقف وفي اللحظة الأنية،  وما يوازيه من  موقف مضاد ، من خلال نعت المخالف «بالمُطبع » أو «المتصهين»  أو ما شاكل ذلك من نعوت الإسكات الناعم . الغاية منه التضييق على حرية التعبير كشرط للوجود . لكن بالنسبة لي كقارئ للحدث لا يعنيني أن أصطف هنا وهناك من توجيه الآخرين، لكن ما يلزمني وأعبر عنه بوضوح هو رغبة العيش في عالم يتوفر على مقومات الدولة الديموقراطية حيث  تقول إحدى النظريات« أن الديمقراطية تتطلب ثلاثة مبادئ أساسية: السيطرة التصاعدية (السيادة التي تقطن أدنى مستويات السلطة) ، والمساواة في الحقوق  السياسية والإقتصادية  ، وحرية التعبير وما تكفله من قيم وأعراف اجتماعية التي ينظر الأفراد والمؤسسات بموجبها فقط إلى الأفعال المقبولة التي تعكس المبدأين الأولين للسيطرة التصاعدية والرغبة في الهيمنة وامتلاك السلطة » والعبرة هنا ليست بوجود هذه النوايا في النصوص والقوانين بحبر غير صادق ،وإنما العبرة بالممارسة العملية والفعلية لهذه الحقوق،  ممارسة إيجابية تجعل المواطن  مشاركا بالفعل في صنع القرارات التي تمس حياته حاضرها ومستقبلها، وعلى مختلف مستويات وجوده الفردي  والجماعي . وهنا يكون  الاختيار الفكري هو البوصلة التي تبحث في   التعدد  و في  الإختلاف طالما أننا نعيش في مجتمع تسوده طبقات متعارضة ومتقابلة في مصالحها وأهدافها، وهذا يعطي فرصة أكبر للإبداع والعمل والإنفتاح ..

 

 الحق في السلام العالمي :

 الغبي وحده من يفكر أن  الأسلحة الفتاكة وسيلة لضمان الأمان  والإستقرار ..ربما يعتقد الجميع أو الغالبية  أن الأسلحة صممت للقضاء على الدول وتدميرها وقتل الناس بأبشع الطرق. لو كانت حقا هذه الأسلحة تحافظ على السلام، لماذا تخوض الدول الكبرى كروسيا و الولايات المتحدة الحروب في أراضي الدول الضعيفة الأخرى؟ الجواب ببساطة  يفيد أن  هذه الأسلحة هي وسيلة تضمن أمان الدول الكبرى عندما تتحارب مع بعضها وتخويف الدول الضعيفة للاستيلاء على أراضيها وخيراتها .. هذه الحروب لم تنته ولن تنتهي إلا بالتخلص من أفكار السيطرة والتحكم في رقاب الشعوب  .

 

نزع السلاح النووي هو مطلب العديد من المنظمات الراغبة في السلام   وهنا جاءت حملة نزع السلاح النووي، من قبل منظمة العمل من أجل السلام، ومنظمة السلام الأخضر (غرينبيس)، ورابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، ومنظمة العُمَد المناصرون للسلام، وحملة الصفر الشامل، والحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، ومنظمة سلام العصر النووي. كما نظمت العديد من  الاحتجاجات والحركات المناهضة للأسلحة النووية. ففي سنة  1982، تظاهر مليون شخص في حديقة سنترال بارك في مدينة نيويورك ضد الأسلحة النووية برغبة  إنهاء سباق التسلح في الحرب الباردة. التي كانت بين أمريكا والإتحاد السوفياتي المنهار، كانت هي أكبر حركة احتجاج ضد الأسلحة النووية و اعتبرت في حينها فارقة  في تاريخ أمريكا، وبعد انتشار الحروب توسع نشاط هذه الحركات وأصبحت أحزاب تحمل هذا المشروع وتناضل من أجله حفاظا على البيئة والإنسان .

 

الرغبة في  نزع السلاح النووي.استقطبت إليها العديد من الفاعلين وصناع القرار مثل  هنري كيسنجر، وجورج شولت..   كما كانت دعوة للحكومات إلى تبني رؤية عالم خالٍ من الأسلحة النووية، من خلال دعم  برامج طموحة تتضمن خطوات مستعجلة تحقق تلك الرؤية. وهكذا جاءت فكرة تأسيس  مشروع الأمن النووي فأُنشئت منظماتٌ مثل الصفر الشامل، وهي مجموعة دولية غير حزبية تتألف من 300 قائد دولي مستقل ، مكرسة  جهودها لتحقيق نزع السلاح النووي. فمؤيدو  هذا المطلب أي نزع السلاح النووي من شأنه  التقليل من احتمالات اندلاع حرب نووية، خصوصًا عن طريق الخطأ.  تواجهه مطالب أخرى التي تتسابق من أجل امتلاك أسلحة نووية لكن الخصم يجب حرمانه منها  لذلك القوة والسيطرة  ستضعف قدرة  الخصوم وسيتم  الردع وفق رؤية الهيمنة. هذه هي الخلفية التي تساعد فهم  الحرب وتداعياتها في المنطقة:

 

أكثر من أسبوع  والحرب مشتعلة  الألم المتبادل:

برز عنصر «المفاجأة» جلياً في الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، سواءً على مستوى الأهداف، أو الرغبة في  إلحاق كل طرف قدراً كبيراً من الضرر والأذى بالآخر؛ بالنسبة لما حققته إسرائيل  كان كبيراً وموجعاً لإيران ، كما أن اطلاع طهران على المواقع الإسرائيلية الحساسة لم يكن متوقعاً وردة فعل طهران كان لها أثرها  وبات التدمير المتبادل  أشبه  بسباق الماراثون ، في النهار إحصاء الخسائر  وإفساح المجال لعمل قوى التدخل والإغاثة،  وفي الليل صوت  الصواريخ والقنابل وباقي الأسلحة ينقلها البسطاء بموبايلاتهم على اللايف ،  في اليوم الموالي تُبذَل فيه الطاقات ويبدأ  الإعداد قوياً بغرض اتخاذ موقع متقدم مع إشراك وسائل الإعلام التي تخوض الحرب من موقعها لأن الجمهور ينتتظر ، وهكذا تعمل كل من إسرائيل وإيران  على  تجميع القوى بين الفينة والأخرى، والعين على المنافس، ثم تُشحَذ الهمم باتجاه خط النهاية، الذي يبدو حالياً بعيداً وغير متحكم فيه.

 

 

 من خلال التتبع البسيط يبدو أن الطرفين أجريا استعدادات سابقة ، فلكل منهما قائمة أهداف فتاكة ومحسوبة. وعلى الرغم من أنهما يحاولان إخفاء حقيقة الأضرار، فما من شك في أنها كارثية  ومؤلمة. ربما لا تكون متناسبة، فضربات إسرائيل في إيران أكبر وأضخم وتُستخدم فيها أسلحة عديدة متطورة، لكن  الحدث  لا يخلو من هجومات  إيرانية في المواقع التي تستهدفها حيث عنصر المفاجأة يتراكم يوم بعد يوم .

 

الضربات الإسرائيلية:

فاجأت إسرائيل، إيران، ليس فقط في المبادرة إلى الهجوم المباغت وما رافقه من عمليات تضليل ناجحة، بل أيضاً في بنك الأهداف. فقد بدأت بسلسلة اغتيالات طالت قادة الجيش والحرس الثوري وعلماء الذرة، وبدا منها أن القيادة الإيرانية لم تتعلم من درس «حزب الله» اللبناني، ولم تتوقع إصابة قادتها الذين اصطادتهم إسرائيل بسهولة مذهلة.

 

أصيب قادة سلاح الجو وهم متجهون للاجتماع في مكان يُفترض أنه سري، وقُتل عدد من القادة وهم في بيوتهم القائمة في أحياء سكنية مدنية، ودُمر عدد من مصانع الصواريخ، واستُهدفت منصات إطلاق بغرض تقليص المخزون ومنع الهجمات، وقُصفت منشآت لإنتاج البترول أو تكريره، وضُربت محطات للطاقة الكهربائية.

 

رغم ادعاء  إسرائيل أنها  استطاعت إحباط أكثر من 90 في المائة من الصواريخ والمُسيَّرات الإيرانية، وإن العشرة في المائة الباقية تخترق مضادات إسرائيل وتدخل أجواءها؛ نصفها يقع في مناطق مفتوحة ولا يوجد ما يستدعي اعتراضها، والنصف الآخر يصيب الأهداف المحددة، أو مناطق قريبة منها.ويبدو أن تقديرات إسرائيل بأن هناك خللاً كبيراً في المضادات الإيرانية يكاد يصل «درجة الشلل» كانت تقديراتها دقيقة، فطائراتها عادت إلى مواقعها بسلام، في حين تتحدث إيران عن إسقاط طائرتين وأسر طيارة، وهو ما تتجنب إسرائيل التطرق إليه تماماً. كما تشير  إسرائيل إلى أن عملياتها تحبط الإيرانيين، وتجعلهم يغادرون أماكنهم، وأنهم يوجهون فيها نداءات بالإخلاء كتلك الموجهة لسكان غزة ولبنان، ويقولون إن الحرب تحقق أهدافها وربما تنتهي بسقوط النظام، ويستبعدون إجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار في القريب من أجل غنهاك نفسية الخصم وهي حرب متبادلة..

 

الضربات الإيرانية:

الرد الإيراني على الحرب الإسرائيلية كان ذا تأثير موجع  ومفاجئ لمعظم الإسرائيليين. وبعيون الإيرانيين الجدد هي ضربة قوية للكيان،  وأن المقاومة في الوضع المريح. شخصيا أتفهم ذلك، الحرب في حاجة لنفسية طموحة    وإن كان يتضح من الأخبار المسموح بنشرها أن إيران توجّه صواريخها إلى أهداف محددة تدل على أنها تعرف الكثير من المواقع الحساسة، مثل مكان سكن الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية، ومعاهد البحوث التكنولوجية التي يجري فيها تطوير الكثير من الأسلحة والعتاد، ومصانع تكرير البترول وإنتاج المواد الكيميائية، ومحطات الكهرباء.كما  يشير القادة الإيرانيون  إلى أن القصف يؤدي إلى شلل الاقتصاد الإسرائيلي، ويقود لحرب استنزاف طويلة، إضافة إلى ما يلحقه من هلع بالسكان الذين يهرعون بالملايين إلى الملاجئ، وعندما يخرجون  في الصباح يجد العديد منهم بيوتهم مدمرة. وفي الطرفين، تمتنع القيادات عن التوجه لمفاوضات تهدئة؛ بل إن إسرائيل تحث الولايات المتحدة على الانضمام للحرب باعتبارها فرصة نادرة لتدمير المشروع النووي.وكلاهما يرى أن الثمن الذي يدفعه الشعب ما زال مطلوبا ومحتملا.

 

رغم ما يمتلكه الجانب الإيراني من قوة عسكرية  ونفوذ إقليمي ، فإن الضربات ستضعف النظام بسبب وضع اقتصادي هش، واضطرابات اجتماعية كامنة، وشرعية محلية متزايدة التنازع. إن حربًا ضد إسرائيل، بدعم عسكري من الولايات المتحدة، قد تُهدد بقاء النظام السياسي وخاصة أن خامنئي على رأس المطلوبين.

 

خلاصة:

  هذه المرة سأركز على إسرائيل بعدما ناقشت أسس النظام السياسي الإيراني في المقال السابق ،وما تلاه من تدوينات على صفحتي في الفايسبوك ، وما تركته من نقاش  من قبل أحبة أعزاء أقدرهم لكن دعوني  أقول بصوت مرتفع . رغم ما حققته وتحققه  إسرائيل  في هذه الحرب  فهي محكومة بمحدودية الانتصار،  نتيجة ضعف قدرتها على فرض انتصارات كاملة (بالمعنى النسبي والتاريخي)، في حروبها المتعددة، وذلك نتيجة  التناقضات التي تكتنف طبيعتها، فهي دولة  مستعمرة تفتقر لعمق تاريخي وبشري وجغرافي واقتصادي في المنطقة، وهي محتارة بين كونها دولة لمواطنيها اليهود أو دولة ليهود العالم، وبين كونها دولة دينية تعيش على نغمات  الأسطورة، أو دولة علمانية/حداثية، وفوق كل ذلك فهي دولة لم تعرّف حدودها الجغرافية بعد، وتفتقر لعلاقات طبيعية مع محيطها.وهذا ما يجعلها في اضطراب مستمر رغم كسبها للتفهم الأنظمة فإنها لن تستطيع كسب الشعوب  والسلام رهانه الشجاعة ونتانياهو عاشق للدم والحروب ولهذا فهو مثل خامنئي عبئ على المنطقة. كيف ما كان المنتصر لن يستطيع كل منهما السيادة في منطقة الشرط الأوسط بالمنطق المعمول به تقسيم الدول وإذكاء النعرات الداخلية وحدها الجغرافيا السياسية قادرة على منحها الإجوبة المنتظرة .نعم تاريخ الشرق الأوسط يكتب من جديد.

عبدالغني السلماني ، باحث وأكاديمي