أقدمت إسرائيل على شن عدوان على إيران كدولة ذات سيادة، في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات جارية بين واشنطن وطهران، من أجل حلحلة البرنامج النووي الإيراني، والهدف من العدوان هو إفشال تلك المفاوضات.
الاعتداء الإسرائيلي على إيران هو عدوان بكل المقاييس، يخالف أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويقع تحت طائلة التجريم الدولي، لكن إسرائيل دوماً فوق القانون، والدليل ما يحدث في غزة من جرائم لم يعرفها العالم من قبل.
ومن جهة أخرى، تنص الشرائع الدولية على عدم جواز قيام دولة بالاعتداء على دولة أخرى ذات سيادة، ومن حق الدولة المعتدى عليها الدفاع عن نفسها، ضمن ما يعرف بنظرية الدفاع الشرعي، وهو ما ينسحب على إيران، التي مارست حق الدفاع الشرعي ضد إسرائيل، ككيان محتل واستيطاني لفلسطين، وهو ظرف تشديد.
صحيح أن القانون الدولي هو قانون شرع من طرف القوى الكبرى ولفائدتها، وهو قانون مصدره أوروبي، تم وضع قواعده بعد الحرب العالمية الثانية، من طرف الدول المنتصرة في الحرب، ولم يكن نتاج توافقات دولية عادلة، بل إنه قانون تمييزي يحمي مصالح الدول الكبرى، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وجدير بالملاحظة أن تلويح الولايات المتحدة الأمريكية بالانضمام إلى الحرب ضد إيران يعتبر بدوره عملاً عدوانياً إذا ما حصل، لأن الشرعية الدولية لا تجيز لدولة استعمال القوة ضد دولة أخرى، بل إن إعمال القوة يجب أن يكون بقرار وبتفويض من مجلس الأمن، تطبيقاً للمادة 7 من ميثاق الأمم المتحدة، وفي حال تورط أمريكا وانجرارها للحرب، فإنه يحق لإيران ضرب المصالح الأمريكية أينما وجدت، في إطار تطبيق مبدأ "حق الدفاع الشرعي".
إن الحرب بين إيران وإسرائيل أكدت على حقيقة قوامها انهيار أسطورة التفوق العسكري والاستراتيجي لإسرائيل، أمام إلحاق إيران بإسرائيل خسائر كبيرة، وتعطيل للحياة والاقتصاد كلياً في إسرائيل، وهو عنوان يعبر عن هزيمة إسرائيل، عكس ما يروج له في الإعلام، من الصهاينة والمتصهينين والعملاء داخل إسرائيل وخارجها.
إن ادعاء نتنياهو تأسيسه لشرق أوسط جديد هو بمثابة وهم، يكشف عن خبث الكيان العبري التوسعي والعنصري، الذي لا يؤمن إلا بالقوة، والدول العربية بصمتها اتجاه ما يحدث في فلسطين وإيران، وعدم اتخاذها لمواقف حازمة، ستؤدي ثمناً باهظاً مستقبلاً، بحيث ستستباح أراضيها وسيادتها وثرواتها. لكن ورغم ذلك، فإن إرادة الشعوب لن تُقهر مهما كانت الانكسارات، وعلى الدول العربية والإسلامية مراجعة حساباتها وتحالفاتها.
إن الحرب الإيرانية الإسرائيلية درس سياسي للدول العربية، وإن كانت الحرب هي عمليات عسكرية تُستخدم فيها التكنولوجيا وجميع أنواع الأسلحة باستثناء الأسلحة غير التقليدية المحرمة دولياً، لأن قانون الحرب ينص على وجوب التناسب في استعمال الأسلحة.
وأهم درس في هذه الحرب أن إسرائيل لا تثق في أي نظام عربي أو إسلامي، فهي تتعامل مع بعض الدول أو الأنظمة من موقع كيان محتل يتمتع بالقوة العسكرية والاستخباراتية (الموساد)، وهو من يملي شروطه، وتقوم استراتيجية الكيان الصهيوني على نظرية "الاختراق الاستخباراتي"، وتشكيل فرق عنقودية من العملاء، في أفق الهيمنة وتخريب الدول العربية والإسلامية، وذلك بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة والغرب، ولذلك فالاختلاف مع إيران لا يبرر التقارب مع إسرائيل أو السكوت عن جرائمها وإرهابها، الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني وضد إيران، لأنه مهما اختلفنا مع إيران، يتعين الانحياز إلى الشرعية الدولية.