بوزوكار يؤاخذ النظام التعليمي: دراسة الأركيولوجيا ضعيفة

بوزوكار يؤاخذ النظام التعليمي: دراسة الأركيولوجيا ضعيفة عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار
دعا عبد الجليل بوزوكار، المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، إلى “إيلاء الوثيقة الأركيولوجية الأهمية التي تستحقها في الكتابة التاريخية والمقررات الدراسية”.
 

وكان بوزوكار يتحدث في محاضرة نظمها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب التابع لأكاديمية المملكة المغربية، مساء الخميس 19 يونيو 2025 بالرباط، حول موضوع: “الأركيولوجيا.. من التأسيس إلى المساهمة في كتابة تاريخ المغرب”.
 
ولاحظ المتحدث، الحضور الضعيف للاكتشافات الأثرية في المقررات الدراسية، "ولو أنها موجودة في المقررات؛ لكن ليس بالشكل الذي نريده، مع غياب العدالة المجالية عند التطرق للتراث الثقافي"، مضيفا أن “التاريخ لا ينبغي أن نخفيه، بل ينبغي أن نناقشه كاملا مهما كانت إيجابياته ومساوئه، لأن ما يُخفى، مهما مرّ من الوقت سيعود ليصدم وجهنا”.
 
وقدر عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار، أنه، منذ سنة 1993، بدأ طرح السؤال من داخل الأطر المغربية، حول محاولة التكيف مع الواقع المغربي فيما يتعلق بالمقاربة الأركيولوجية، مستحضرا في هذا الباب بحثا لعالمة الآثار الراحلة جوديا حصار بنسليمان التي أدارت معهد الآثار بالرباط.
 
ودافع عبد الجليل بوزوكار، في محاضرته بالمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، عن مقاربة علمية للاكتشافات العلمية، وضرورة التنسيب؛ فـ”الأركيولوجيا كأي علم هي نتاج مقاربات، والبدايات تأثرت بالمقاربات السائدة”. كما أن الأركيولوجيا بالمغرب كانت مفتوحة على “العديد من الجبهات”؛ منها: “الاستقلال عن الآخر الأجنبي وخاصة الفرنسي، وإثبات الذات، ثم تطوير التعاون الدولي بشكل من التكامل فيه نوع من الندية”.
 
ومن بين ما وضّحه بوزوكار أن علم الآثار “علم يتطلب وقتا طويلا وإمكانيات مادية كبيرة”، وقدّم مثالا باكتشاف جمجمة أقدم إنسان عاقل في جبل إيغود: “انطلقت الأبحاث في الستينيات، وعامل بسيط من اكتشف الجمجمة؛ هو سّي الفاطمي، وليس عالم أركيولوجيا؛ وقدّم الجمجمة لطبيبٍ، لاحظ حجمها غير الطبيعي، وعرضها على معهد البحث العلمي بالرباط، حيث أقرّ باحث آخر بأنها قديمة… فهذا تراكم إذن نستفيد منه، وصولا إلى سنة 2017 تاريخ النشر العلمي، الذي قدّم نتائج أبحاث انطلقت في سنة 2004، بمعنى أن ما نقوم به، ونعيشه الآن، هو ثمرة أبحاث مضنية في مواقع مختلفة”.
وتساءل المحاضر: “لِمَ لا نجد صدى لهذا التراكم في الكتابات التاريخية؟ هل هذا خطأ المؤرخين؟ أم خطأ واضعي البرامج والمقررات الدراسية؟ أم أن هناك نفورا من نتائج الأركيولوجيا؟ لا جواب لدي، لكن ينبغي التفكير في هذا وإيجاد أجوبة له”. 

 
وأبرز عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار: “هذا لا ينفي أنه اليوم توجد إرهاصات مدرسة مغربية في علم الآثار”، يمكن أن تسهم اكتشافاتها في كتابة تاريخ المغرب، بشرط هو “الانكباب على التاريخ المحلي والتاريخ الجهوي، قبل التصدي للتاريخ الشامل”، علما أن الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة اليوم للبحث الأركيولوجي “لم تعد ترفا”؛ بل هي “ضرورة للتصدي للأسئلة الكبيرة والصغيرة، ومن بينها الخرائط التوقعية والخوارزمية التي توجّه اليوم أبحاثنا بشكل استباقي للمناطق التي قد تتعرض فيها المواقع لخطر الاندثار، مما يعالج معاناتنا السابقة من اندثار أو تضرر مواقع أثرية ويؤدي إلى عقلنة في تدبير الموارد وترشيد الإمكانيات”.
 
وقال مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، إن “الأركيولوجيا ليست في تضاد مع علم التاريخ؛ بل كل منهما يكمل الآخر”، و”الأركيولوجيا لا ينبغي أن تنصاع إلا إلى الدقة والوثوقية العلمية، مع تقديم الجوانب المظلمة للنتائج أيضا. فلا توجد حقائق مطلقة، ولا نتائج مطلقة، وعلم الآثار يستعين بالفعل بالعلوم الدقيقة مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا؛ لكن أسئلته تبقى أسئلة العلوم الاجتماعية والإنسانية”.
 
من جهته قال رحال بوبريك، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، في كلمة افتتاحية للمحاضرة: “نريد أن نؤسس لتقليد علمي مبني على الانفتاح والتعاون العلمي بين المعهد وبين المؤسسات العلمية الوطنية والدولية. ونتعاون في هذا اللقاء مع مؤسسة علمية وازنة، فرضت نفسها، خاصة في العقد الأخير (…) وطفرة البحث الأركيولوجي في المغرب تظهر حيوية التخصص بالبلاد، بفضل الأساتذة والباحثين والطلبة في المعهد، المتخصصين في حقل علمي يسهم في تأكيد حقائقَ، وإعادة النظر في أخرى، وإعادة كتابة التاريخ؛ فقد كشفت الأبحاث الأركيولوجية عن فصول غير معروفة في تاريخ المغرب؛ من بينها أقدم بقايا إنسان عاقل، في جبل إيغود، وهو ما أعاد النظر في الأصل الجغرافي للإنسان العالم. مع وجوب الاحتياط العلمي اللازم، لأن الاكتشافات العلمية المقبلة قد تعيد النظر في هذا المعطى عالميا؛ لكن ساهمت الأبحاث الأركيولوجية في فهم أعمق، يسهم في كتابة، أو إعادة كتابة، فصول غير معروفة من تاريخ المغرب”.