ماذا ربحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من مقاطعة منتدى مراكش وسياسة الكرسي الفارغ؟

ماذا ربحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من مقاطعة منتدى مراكش وسياسة الكرسي الفارغ؟

أحيانا يجد المرء نفسه عاجزاعن فهم بعض مسلكيات الفاعلين في المجال الحقوقي المغربي، وذلك لغياب بناء منطقي واضح يربط المقدمات بالنتائج، ويتيح للمتتبع إمكانية الفهم والاستدلال.

تتجدد لدينا، اليوم، هذه الخلاصة على هامش الموقف الذي اتخذته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخصوص قرار مقاطعة أشغال المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي تستضيفه بلادنا هذه الأيام.

إن العقل المنتج لمثل هذا القرار يتطلب من المتتبع وضعه على محك التحليل، على اعتباره يرتبط بما يهم الشأن العام، وليس قرارا يهم التصرف في مقاولة خاصة، أو في أمر شخصي.

انطلاقا من ذلك نتساءل عن معنى أن تتخذ جمعية ما قرار المقاطعة بشكل عام. والحال أن هذه الجمعية إطار مدني وآلية تدبيرية تتحرك ضمن الفضاءات الجمعوية، وليست حزبا سياسيا يختار المشاركة أو المقاطعة أو الامتناع كلما دعته دواع ما ليبارك أو يدين صناع القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

إن الفلسفة العامة التي تؤطر عمل الجمعيات نظرا وعمليا هي المشاركة، وذلك ما يجعلها مراكز فعلية لإنتاج الأفكار والممارسات، على ضوء الحضور والاقتراح. وفي هذا الإطار لا جدوى من سياسة الكرسي الفارغ إلا في حالة واحدة، أن يترجم الموقف الجمعوي موقفا حزبيا. وهذا بالضبط ما يحدث في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تمارس العمل الحقوقي بأقنعة السياسة، وتحديدا أقنعة اليسار العدمي الذي يقاطع البرلمان والجماعات، والمداولات حول الدستور والدستور ذاته... وذلك لأن المقاطعة لم تعد بالنسبة لمثل هذه الجمعيات مجرد شعار أو موقف، بل "سجلا تجاريا"، وعنوانا لجلب المظلومية داخل المنتظم الدولي.

انطلاقا من نفس دائرة التحليل، نتساءل عن معنى أن تقاطع هذه الجمعية ومثيلاتها منتدى عالميا هو في الأصل ينتمي من حيث بنية التنظيم والتأطير إلى المنتظم الدولي، وليس إلى بلد بعينه. مثلما هو منتدى للحوار ولتبادل التجارب، ولقراءة الواقع الحقوقي في تجلياته ودينامياته القائمة على تفاعل الداخل والخارج. وليس لإصدار قرارات بالتصويت، أو توصيات تزكي أنظمة أو تسقطها. ومن تم فلا معنى لقرار مقاطعة ما لا يقاطع. فهل يقبل عاقل أن تقاطع جمعية مدنية ما مؤتمر دوليا للبيئة، أو لمكافحة داء السيدا، أو لمحاربة الهشاشة في العالم...

إن فكرة المقاطعة لا يمكن أن تفسر سوى بوجود عقل الجمعية في ورطة، في إطار حجز سياسي لا يقيم الفارق بين اعتبارات السلوك المدني والسلوك السياسي، بين الإسهام في منتدى يبدع الأفكار ويجادلها، والاستثمار في بناء سلوك العدم ارتهانا فقط لموقف مسبقة، ولحسابات سياسية ضيقة.

العقل المحجوز لا يمكن إلا أن ينتج مواقف محجوزة.

ورحم الله الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الذي أحدث وثبة في العقل العام المغربي حين نبذ سياسة الكرسي الفارغ ووضح المكاسب الممكن جنيها لفائدة المجتمع بنقل النضال داخل المؤسسات وليس خلف حاسوب أو خلف "كونتوار" في "بار".