عبد الواحد الفقيهي:  عيد بلا أضحية… ولكن!

عبد الواحد الفقيهي:  عيد بلا أضحية… ولكن! ثقافة يرتبط فيها الكرم بالذبح، والهوية بالاستهلاك
كأننا، حين نحتفل، لا نحتفل إلا بإنكار المعنى. فحين نتلقى خطابا فيه دعوة للرحمة، نحوله، دون وعي، إلى موجة شره استهلاكي. هكذا تصرفت قطاعات واسعة من الناس بعد الخطاب الملكي الذي نادى، بحكمة واقعية، إلى العدول عن شعيرة الذبح هذا العام مراعاة للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
 
استقبل كثيرون الخطاب بارتياح وصمت، وربما بدمعة امتنان... ثم ما لبث أن تحول هذا الامتنان إلى سباق محموم على اللحم، وكأن اللحم نفسه صار رمزا للهوية، وكأن الامتناع، ولو مؤقتا، هو إهانة جماعية يصعب احتمالها.
 
في ظاهرة تشبه الإنكار الجماعي المصقول بالعادة، تفجرت أسعار اللحم كمن يثأر من العقل. "الدوارة" تباع وكأنها قطعة مجوهرات نادرة، والكثيرون يعودون من السوق محملين بما لا يحتاجونه، فقط لأنهم لا يريدون أن يكونوا خارج السرب، ولو كان السرب يطير في اتجاه جدار.
 
ليست هذه مجرد مفارقة نفسية. إنها أزمة تصور. ففي عمق هذا التهافت، تسكن فكرة قديمة: أن "الاحتفال" لا يكتمل إلا بالتضحية، حتى لو ضحينا بعقلانية القرار، حتى لو أكلنا من قروض مستعجلة، أو استبدلنا فرحة المعنى بديكور اللحوم المعلقة.
 
وما بين الوعي العام والخطاب الرسمي، انكشفت مسافة واسعة من الانفصام الثقافي، حيث يحتفل البعض بفكرة دون أن يسلك طريقها، وحيث يصفق للفكرة… ثم يدفنها في السوق.
 
هذا ما وصفه بعض المختصين بـ"العصيان الصامت": أن تبتسم للنداء، ثم تمضي عكس اتجاهه. وأن تفرح بقرار يخفف عنك، ثم تنكص عنه تحت ضغط المجتمع، أو تحت وطأة إرث استهلاكي يربط الفرح بالتكلف، ويزن التقوى بميزان الشراء.
 
لكن المسؤولية ليست فقط على "المستهلك"، بل أيضا على من ترك السوق بلا بوصلة، وعلى من جعل من المواسم فرصة لامتحان الوعي، ثم غاب عن ضبط المعايير، وغاب عن تثقيف الناس بأن الفرح لا يشترى بالكيلو.
 
في ثقافة يرتبط فيها الكرم بالذبح، والهوية بالاستهلاك، تصبح أي دعوة للتخفف صادمة. لكن الحكمة الحقيقية هي أن نراجع علاقتنا بما نستهلك، وأن نفهم أن الأضحى الحقيقي هو أن نذبح داخلنا عادة التباهي بما لا نملك.
 
هل يمكن أن نصنع فرحا دون إسراف؟ هل يمكن أن نعيد للمعنى قدسيته… حتى لو غاب اللحم عن المائدة؟ هذا السؤال لا يوجه إلى المستهلك فقط، بل إلى المجتمع بأكمله… في سوق توجد فيه الفكرة، لكن لا يشتريها أحد....