ويشكل ذلك التزام الدولة المغربية أمام المنتظم الدولي من أجل العمل على تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة من كافة حقوقهم الإنسانية، وتعزيز عملية مشاركتهم الإجتماعية بما يتوافق مع المواثيق، والمعاهدات الدولية المؤطرة لحقوق الإنسان، وفي هذا الإطار، وتنزيلاً لمقتضيات دستور المملكة، تم إعتماد القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، حيث تعرف المادة الثانية منه "الشخص في وضعية إعاقة: كل شخص لديه قصور أو إنحصار في قدراته البدنية أوالعقلية أوالنفسية أوالحسية، بصورة دائمة، سواء كان مستقراً أو متطوراً، قد يمنعه عند التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين." مما يعني، ووفقًا لهذا التعريف، أنه يجب القطع بشكل نهائي مع النهج الطبي للتعامل مع القضايا المتعلقة بموضوع الإعاقة، والأخذ بعين الإعتبار التفاعلات بين الفرد والبيئة المحيطة به في بناء السياسات المتعلقة بالإعاقة، والعمل على تذييل العقبات الإجتماعية والثقافية والإقتصادية التي تحول دون المشاركة الكاملة، والفعالة للأشخاص في وضعية إعاقة في المجتمع. وأن تعمل الدولة على إتاحة الفرصة لهم للاندماج في المجتمع باعتماد الترتيبات التيسيرية التي تقلص من حدة الإعاقة.
ورغم اتخاذ جملة من الإجراءات القانونية، فإن الأشخاص في وضعية إعاقة لا يزالون يعانون من النظرة الدونية للمجتمع إتجاههم، مما يستوجب العمل على تغيير نظرته حول الإعاقة، ومحاربة كل الصور النمطية اتجاه الأشخاص في وضعية اعاقة.
في اعتقادنا فهذا التغيير مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه ومسألة تتعلق بإنتاج السياسات العامة ذات الطابع الاجتماعي، والمرتكزة على المبادئ الأساسية لحقوق الانسان. فالتغيير الحقيقي يتطلب المشاركة الجماعية، بدءًا من الأشخاص في وضعية إعاقة أنفسهم، الأسرة، الحكومة، ومختلف الفاعلين الإجتماعيين والسياسيين، من أجل العمل على تطوير العقليات ومحاربة كل الصور النمطية إتجاه الأشخاص في وضعية إعاقة، والعمل من أجل تغيير المفاهيم حول الإعاقة وتطوير فهم جديد للإعاقة يعتمد مقاربة حقوقية. فينبغي على الدولة أن تلعب دورًا محوريًا، ومركزيا، وأن تتخذ إجراءات محفزة وأحيانًا زجرية فعالة وكافية لمكافحة الصور النمطية والأحكام المسبقة والإجراءات التمييزية ضد الأشخاص في وضعية إعاقة.
لقد أطلقت وزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة الحملة الوطنية الأولى لإذكاء الوعي حول الإعاقة، والتي تستمر على مدى شهر كامل بهدف التوعية حول الإعاقة، ومكافحة جميع الأحكام المسبقة، والصور النمطية، والأفكار التي ترسخت في عقولنا لعهود طويلة، ورسمت صورًا سلبية حول هؤلاء الأشخاص، وعَمَّقت في ذاكرتنا الجماعية، عبر الزمن، ثقافة إجتماعية واسعة النطاق تعتمد التفيؤ بناء على المظاهر الجسمية القدرات العقلية ولا تعترف بمنطق الإختلاف والتمايز، مما يشكل نموذجًا من التراتبية الإجتماعية غير مبنية على ما هو مادي فقط بقدر ما هو مبني على الاختلاف الجسدي والعقلي، مما يعتبر تمييزا مبني على الإعاقة يشكل تأثيرا إجتماعيا سلبيا على الأشخاص في وضعية إعاقة، يحد من تنميتهم الاجتماعية، والاقتصادية ومساهمتهم في التنمية، وأيضًا يؤدي إلى ظهور أشخاص غير مرئيين يعيشون على الهامش وفي أسفل السلم الإجتماعي.
فحملة إذكاء الوعي حول الإعاقة يجب أولاً وقبل كل شيء أن تستحضر بقوة نص المادة 8 من الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لما تشكله من التزام للدولة المغربية لتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ومكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة المتعلقة بهم في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتعزيز الوعي بقدراتهم ومهاراتهم وكفاءاتهم وإسهاماتهم وتقديمهم في صورة إيجابية، وأيضا، لا ينبغي لهذه الحملة أن تكون مجرد شعار سياسي محدود في الزمن ومحدود في الفئة المستهدفة، بل يجب أن تتسم بالديمومة وأن تشكل محركًا ودينامية اجتماعية اتجاه التغيير، كما يجب أن تؤسس لثقافة تتمحور حول الفعالية والكفاءة والنهوض حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وتثمين التنوع الإنساني، والإقناع بأن الإعاقة نوع من الإختلاف البشري وهي أيضا تشكل محركا أساسيا للتماسك والتطور الإجتماعي.
تغيير النظرة حول الإعاقة هو تأسيس للتواصل بمنظورجديد حول الإعاقة في بعده الإنساني والحقوقي، فالتمثلات الإجتماعية حول الإعاقة ليست مجرد مصطلحات ومفردات اعتدنا عليها، وغالبًا ما نستخدمها لوصف موقف أو شخص معين، مثل "إعاقة، معاق أو معوق" أو كلمات أخرى يمكن أن ننعت بها شخصًا آخر بشكل قدحي مثل "المعتوه، الأبله والسفيه..."، في إطار العنف اللفظي والرمزي والعنف الغير المرئي، والذي يشكل في حد ذاته شططا وتمييزًا مجتمعيًا يؤدي إلى الهشاشة والإقصاء.
لذا، فإن إذكاء الوعي حول الإعاقة يشكل توجهًا وتحولًا مجتمعيًا ينبني على مرتكز أساسي يتمثل في الإيمان والقناعة بأن كل المجتمعات تنبني على الاختلاف والتنوع تتساوا في الحقوق، حيث أن الجميع مختلف بشكل كبير، لكن في نفس الوقت يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية ومنصفة. فالسلامة الجسدية متحولة وغير ثابتة فمن المحتمل أن يتعرض كل منا لإعاقة في فترة زمنية بسبب حالة صحية أو حادث سير أو حوادث أخرى.
إن تغيير النظرة حول الإعاقة يعني وجوب تدخل مختلف أطياف المجتمع كل من موقعه لإذكاء الوعي بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وتوفير فرص عيشهم بكرامة، وضمان أمنهم الجسدي، والاجتماعي وتمتيعهم بكامل مواطنتهم وحقوقهم الإنسانية.
ولتحقيق ذلك يجب الإشتغال على الأسرة أولاً والمجتمع من أجل قبول الطفل في وضعية إختلاف، فالقبول المبكر للطفل بكل إختلافاته، مثل لون البشرة، قصر القامة، القوى العقلية أوالجسدية، يشكل أولى الدعامات الأساسية لتغيير النظرة حوله وبناء شخصيته وسط مجتمع دامج متقبل لكل مكوناته، وهكذا ومع تقدم سنه نجعل منه شخصًا اجتماعيا فاعلا ومرئيًا، أما الدعامة الثانية، فيجب الإشتغال على تطوير وتعزيز كفاءات الفرد وقدراته ومساهماته الإجتماعية والفكرية وتعزيز التصور الإيجابي لدى هؤلاء الأشخاص. أما الدعامة الثالثة، فيجب الإشتغال على ضمير المجتمع من خلال التنشئة الإجتماعية المبنية على تدبير الاختلاف، والتفكير الجماعي للمساهمة في اتخاذ القرارات التي تمكن من تعزيز إحترام حقوق وكرامة الأشخاص في وضعية إعاقة، وضمان التمتع الكامل بها، والعمل على الأخذ بعين الإعتبار بُعد الإعاقة بكل تجلياتها في بناء سياسة تنموية مستدامة.
إن حملة واحدة لإذكاء الوعي حول الإعاقة محدودة في الزمن وفي فضاءات مغلقة ومع أصحاب القضية فقط لا تكفي لتغيير النظرة حول الإعاقة، ومحاربة كل الصور والقوالب النمطية إتجاه الأشخاص في وضعية إعاقة.
ومع ذلك، فإن مثل هذه المبادرة تتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين لتحسين معرفة المجتمع عامة حول موضوعة الإعاقة في كل تجلياتها، حتى يصبح الجميع فاعلاً، ومساهما في هذا التغيير، فإنه ليس من السهل العمل على إعطاء مكانة للأشخاص في وضعية إعاقة في المجتمع وتثمين كفاءاتهم وقدراتهم ومساهماتهم بوصفهم فاعلين في التغيير والتنمية الإجتماعية والإقتصادية وأن يكونوا متساوون، إلا من خلال:
- نظام تعليمي شامل يحترم التنوع البشري، ولا يستبعد أي شخص من مساراته، ويشجع على تعلم المعرفة والمواقف المتعلقة باحترام حقوق الإنسان بشمولياتها وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بخصوصياتها، لا سيما عند الأطفال في سن مبكرة، دون اغفال المناهج التعليمية ومضامين المقروء من نصوص تعليمية.
- برامج للتنشئة الإجتماعية والتوعوية والتحسيسية المخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة تعتمد على حقوقهم الأساسية ومنع أي عمل تمييزي إتجاههم، كما أن هذه البرامج يجب أن تعتمد على التعريف بحقوقهم، بالإضافة الى تكوينهم لكي يكونوا قادرين على تشكيل قوة اقتراحية، وترافعية، وأن تتملك مهارات الإقناع والبرهنة من منطلق حقوقي، إنساني وقانوني.
- وسائل إعلام مواكبة لهذا التغيير بحيث يجب أن تعتمد أسلوبًا إيجابيًا للأشخاص في وضعية إعاقة وتعمل على إبراز كفاءاتهم ومشاركتهم الإيجابية في الحياة الإجتماعية والإقتصادية.
ويجب على وسائل التواصل والترفيه التوقف عن إستخدام الكلمات التي ترمز إلى الإعاقة في العنف اللامادي أو الرمزي، والتي تستخدمها أحيانا دون وعي، مع الأخذ بعين الإعتبار أن أفضل مقياس لقيات مدى دمج المجتمع للأشخاص في وضعية اعاقة يعتمد على مدى وكيفية تناول الإعاقة في وسائل التواصل
- مضاعفة وإتاحة الفرص المتعددة للأشخاص في وضعية إعاقة لتطوير كفاءاتهم، مثل الأنشطة البدنية و الرياضية الترفيهية أو التنافسية و التي يمكن أن تساعد في تغيير النظرة حول الإعاقة من منظور عدم القدرة الى منظورالقدرة وتسمح بالثالي تشكيل نظرة إيجابية حول الأشخاص في وضعية إعاقة، على سبيل المثال، مشاركة الرياضيين المغاربة في الألعاب البارالمبية باريس 2024 وإحرازهم للعديد من الميداليات ساهم بشكل فعال في تحريك أقلام إعلامية متعددة وتناول موضوع الرياضة البارالمية من منظور التحدي، ومبدأ تكافؤ الفرص في الامتيازات وفي المنح.
- امجتمع مدني يدرك أنه يجب أن ينتقل من مقدم للخدمات الإجتماعية والرعائية للأشخاص في وضعية إعاقة إلى داعم لحقوقهم، وأن يكون قادرا على أن يشكل قوة اقتراحية، وترافعية حول قضايا الأشخاص في وضعية اعاقة بمقاربة حقوقية اجتماعية، وأن يكون قادرا على نشر تقافة حقوق الانسان بعيدا عن كل التجاذبات الاجتماعية، وأن دوره يتمتل في أن يدعم الحكومة، ويواكبها من أجل تجويد وتحسين خدماتها وأن تكون متوافرة، ومتاحة الوصول.
وفي الختام، يجب علينا أن ندرك أنها بداية مرحلة نتوخى منها إعادة بناء مجتمع مغربي يؤمن بالاختلاف، وتصحيح منظوره للإعاقة، إنها معركة ضد العقليات التي ترسخت لديها العديد من الصور، والقوالب النمطية الجاهزة من خلال الموروث التقافي المتجذر في الحكايات الشعبية، وأيضا الموروث العقائدي، و أحيانا التربوي لما يتضمنه تعليمنا في مختلف مراحله من تنميطات للإعاقة، فتغيير العقليات لا يمكن أن يتم بين عشية و ضحاها ولكن يمكن أن نحقق نتائج ملموسة، ويكون لها تأثير كبير على الأشخاص في وضعية إعاقة في حال ترسخت لذى الجميع فكرة أن المجتمعات ترتقي بالمشاركة الفعالة لكل أطيافها في التنمية الاجتماعية، وفي التنمية المستدامة المرتكزة على الكرامة و الحق في الحياة.