خليل البخاري: تقويم الأداء الفني للمدرس

خليل البخاري: تقويم الأداء الفني للمدرس خليل البخاري

تعاني منظومة التربية والتعليم منذ مدة من النقص الكبير في عدد المشرفين التربويين (المفتشين)، وهذا راجع بطبيعة الحال إلى اختيار البعض للتقاعد النسبي، وآخرين أحيلوا على التقاعد لبلوغ السن المحددة. هذا الوضع لم يساعد على تواصل الأساتذة مع المشرفين التربويين، وأصبحت زياراتهم للأساتذة نادرة، كما أن التقويم الفني لأدائهم غير كامل.

بكل موضوعية، يستحيل تقويم الأداء الفني للمدرس تقويماً موضوعياً وصادقاً على أساس مستوى التحصيل العلمي لطلابه، ذلك لطبيعة العملية التعليمية ولتأثير المتغيرات الداخلة عليها، ولصعوبة التحكم النوعي بمدخلات العملية من الطلاب.

إن العملية التعليمية هي عملية اتصالية في إطارها الشمولي، حيث يشكل المدرس والطالب طرفيها، بينما تشكل المادة الدراسية - سواء كانت معرفية أو مهارية أو وجدانية- الرسالة التعليمية التي يقوم المدرس بتوصيلها عبر وسائل متعددة وطرق ديداكتيكية تترك للمدرس حرية اختيارها في غالب الأحيان.

إن العملية التعليمية، لا سيما في المراحل الأساسية للتعليم، تتم داخل إطار تربوي واسع ومعقد، يتأثر بالمؤثرات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويستدعي تمتع المؤسسة التربوية بقدر مناسب من العلاقات الإنسانية، مع حاجتها الماسة إلى قدر مماثل من الحزم والرقابة. ويتطلب أداء المدرس الحد الأدنى من سمات الجاذبية والقدرة على التأثير، وليس بالضرورة أن يصل إلى حد تمتع الطالب بشخصية كاريزماتية استثنائية. والعمل التعليمي/التربوي هو مجهود فكري في الدرجة الأولى، يتطلب مقادير عالية من التركيز الذهني، بالإضافة إلى الهدوء والاستقرار النفسي. ولذلك، فإن عملية قياس نتائج العمل التعليمي تعد من أكثر عمليات القياس تعقيدًا في الحقل الإنساني.

إن الجهد التعليمي ينصب على الإنسان المستعصي على القياس الموضوعي، فالعلم هو مجهود وأداء لا يُقاس هو بذاته، بل تقاس آثاره. فالتعلم دائماً موجه من العقول إلى العقول، ويعتمد على التزام بالتأثير ومسؤولية عن الأثر.

إن تقييم ثم تقويم أداء المدرس عادة ما يكون على مستويين: مستوى وظيفي ومستوى فني. في المستوى الوظيفي، يتم تقييم أداء المدرس بناءً على الحضور والغياب، والتأخير، والعلاقات الإنسانية مع الزملاء، والتعاون مع الطاقم الإداري للمؤسسة. وهو مستوى يسهل تقييم المدرس فيه لتوفر معايير موضوعية قابلة للقياس. أما في المستوى الفني، فيتم تقييم أداء المدرس باعتباره محترفًا لمهنة التعليم، وفقًا لعدد من الأسس والمعايير مثل: التخطيط للتدريس، التحضير، صياغة الأهداف المأمول تحقيقها لدى الطلاب بشكل سليم وقابل للتقويم، واستخدام الأدوات الديداكتيكية، والابتكار في مجالها إبداعًا وتوقيتًا، والإدارة الصفية أثناء الحصة الدراسية، وتقييم الطلاب والنشاطات اللاصفية. كلها معايير موضوعية قابلة للقياس.

ومع ذلك، هناك اتجاه تقويمي يُعد تقريبًا إجماعًا بين المهتمين. من بين أكثر الاتجاهات إثارة للجدل التربوي ثلاثة اتجاهات رئيسية: الأول، ينادي بإدخال الطلاب أنفسهم في عملية تقويم المدرس؛ الثاني، يرى قصر عملية التقويم الفني للمدرس على المشرف التربوي؛ الثالث، يرى أن وظيفة تقييم وتقويم المدرس هي واحدة من أهم وظائف مدير المؤسسة التعليمية.

إن الإدارة التربوية، متى توفرت لها الخبرة التربوية، والتدريب العالي، والأفق الفكري، وكان لمدير المؤسسة حظ وافر من النزاهة والتكوين والإلمام بالمادة الدراسية والأخلاق القويمة، سنكون بلا شك أقرب إلى تقويم عمل المدرس تقويماً يتمتع بقدر من الدقة والنزاهة والعدل والموضوعية. وذلك لعدة مبررات، منها القرب والاحتكاك المباشر في موقع العمل، والمعرفة الشخصية بأحوال المدرس، وقلة أعداد المفتشين. ولكن، ومع الأسف الشديد، فإن معظم المديرين في الوقت الحالي تنقصهم المؤهلات التربوية والتكوينية، وهم غارقون و"معتقلون" داخل المكاتب وسط كم هائل من المذكرات والاستفسارات، مما يصعب عليهم تقويم أداء المدرسين. فكيف لمدير مجاز في اللغة العربية أن يقيم أداء مدرس لمادة الفيزياء أو علوم الحياة والأرض؟

إن تقويم أداء المدرس عملية معقدة وغير يسيرة. فالمدرس ينبغي أن يمد جسور المعرفة نحو كل المستجدات التقنية حتى يستطيع أن يؤدي أداءً تدريسياً فعالاً ومبدعاً، تظهر نتائجه في مخرجات تعليمية نافعة له وللمجتمع، متكيفاً مع عصره، ومساهمًا في حل مشاكله، مبدعًا ومبتكرًا في طريقة تدريسه.