مؤتمر الطفولة الشعبية بوزان.. نداء الوعي الرقمي المسؤول ببن الطموح ورهانات الواقع

مؤتمر الطفولة الشعبية بوزان.. نداء الوعي الرقمي المسؤول ببن الطموح ورهانات الواقع تميّز المؤتمر بحضور وازن من فروع الحركة
في خضم التحولات الرقمية المتسارعة، وما تفرضه من تحديات تربوية وثقافية، وبعد سلسة من الانشطة المحلية القبلية التي  نظمها فروع الحركة ومن أبرزها  توقيع كتاب الدكتور المصطفى شكدالي  بمكناس تحت عنوان "سيكولوجيا الانسان المرقمن" بمكناس، نظّمت حركة الطفولة الشعبية مؤتمرها الفكري الرابع بمدينة وزان أيام 3 و4 و5 ماي 2025، تحت شعار: "التربية على تدبير المجال الرقمي والإعلامي". 
 
الحدث لم يكن فقط  لقاء تنظيميا داخليا(meeting)، بل أيضا محطة فكرية حقيقية أرادت من خلالها حركتنا إعادة صياغة الأسئلة التربوية التي تفرض علينا نفسها  في زمن الرقمنة، وكذا تقديم رؤية مجتمعية موجهة لمستقبل الطفولة في البيئة الرقمية.

1- رهانات المؤتمر الفكري الرابع 
تميّز المؤتمر بحضور وازن من فروع الحركة بحيث المذكرة الداخلية سمحت بحضور ممثل عن مجلس اطار مل فرع  الشيء الذي أدى إلى بروز  كفاءات نوعية أغنت انتشارية التنظيم. 
كما أن مشاركة خبراء وأكاديميين وممثلين عن مؤسسات وطنية ودولية أضفى على النقاشات عمقًا وتنوعًا. 
وفي نظرنا المتواضع ونحن نتابع فقرات المؤتمر من موقعنا كمشاركين وكأعضاء للجنة التحضيرية  أن  الاهتمام انصب  على أربع رهانات رئيسية:
 
أ. بناء وعي نقدي رقمي: إذ شدّد المشاركون على أهمية تربية الأطفال على التفكير النقدي تجاه الوسائط الرقمية، بدل الاقتصار على الحماية التقنية أو التقييد الأبوي، وهو تحوّل نوعي في المقاربة التربوية وانتصار لقيم وأفكار التربية الشعبية ولعل مداخلات جمعية الصرحاء الممثلة في السيد كريسيان كومبيي لخير دليل.

ب. المواطنة الرقمية: ونحن نتابع مدخلات الأخ الدكتور  بنصفية  وعميد كلية علوم  التربية الدكتور كدائي  نستنتج انه لن يُطرح الفضاء الرقمي داخل المؤتمر كمجرد تحدٍّ، بل كفرصة لبناء فاعلية مجتمعية جديدة. فمؤتمر وزان من خلال التدخلات والنقاشات استشعرنا إلى أنه يصبو إلى إيجاد سبل   لتعليم الأطفال كيف يكونون مواطنين فاعلين على المنصات الرقمية، لا مجرد مستهلكين سلبيين للمحتوى ( مرقمنين )

ج. أدوار جديدة للأسرة والمدرسة: أُعيد التفكير في دور المؤسستين التقليديتين — الأسرة والمدرسة — ليس فقط كحماة، بل كشركاء في التوجيه والتمكين الرقمي، وهو ما يتطلب تجديدًا في المناهج و  إبداع دلائل  وأدوات للتكوين المستمر لرجال التعليم وحلولا  عبر ابداع حملات ووصلات  تحسيسية ترفع من منسوب الوعي عند الأسر.  

د. تحديات الذكاء الاصطناعي والمعطيات الشخصية: في ظل انفجار تقنيات الذكاء الاصطناعي، ناقش المؤتمر مسؤولية المؤسسات التربوية في توعية الأطفال بمخاطر خوارزميات التلاعب، وسُبل حماية خصوصيتهم.
 
2- نداء وزان: بيان تربوي لمستقبل رقمي آمن
في ختام المؤتمر، صدر "نداء وزان" الذي تمت المصادقة عليه من طرف المؤتمرين، الذي يمكن اعتباره بمثابة بيان تربوي استراتيجي، دعا إلى:
- ترسيخ الوعي الرقمي المسؤول لدى الأطفال واليافعين.
- تشجيع المشاركة الرقمية المواطِنة في القضايا العمومية.
- تطوير مهارات التمييز الرقمي للحد من التلاعب والإدمان.
- تفعيل أدوار الأسرة والمدرسة في المرافقة الرقمية.
- الوقوف بحزم أمام مخاطر الألعاب الإلكترونية وانعكاساتها السلوكية.
- المساهمة في إنتاج محتوى تربوي رقمي هادف، يراعي الخصوصيات الثقافية.
- دمج قيم  التربية الشعبية في التربية الرقمية ولعل القرية البيداغوجية  الرقمية بوزان لخير دليل. 

3- نقد وتحليل: نداء المؤتمر بين الطموح والرهان الواقعي
رغم القيمة العالية للمضامين التي طُرحت، ورغم كوننا جزء من هذه التوصيات  لكن  يبقى التحدي الحقيقي هو الترجمة العملية لنداء وزان.
 ذلك أن بناء وعي رقمي لا يتم بالشعارات الاحادية من موقعنا كمنظمة تربوية بل يحتاج إلى:
- تكامل مؤسساتي فعلي بين الجمعيات، الأسر، المؤسسات التعليمية، وصناع القرار.
- تكوين مستمر للأطر التربوية على البيداغوجيات الرقمية، وهو ما لا يزال غائبًا عن أغلب برامج التكوين الأساسي خصوصا وزارة الشباب التي أطلقت مخيما موضوعاتية رقميا دون تكوينات قبلية.
- موارد رقمية محلية الصنع تعكس واقع الطفولة المغربية، بدل الاعتماد على منتجات ثقافية وافدة غالبًا ما تكون غير منسجمة مع السياق القيمي الوطني.
- سياسات عمومية واضحة تدعم التربية الإعلامية والرقمية، عبر برامج مدرسية، محتويات إعلامية موجهة، ودعم تقني للمبادرات المدنية.

4- مركز الطفولة الشعبية للتربية الرقمية: خطوة بناءة تحتاج إلى الانفتاح و دعم الجهات المعنية.  
ان إعلان تأسيس مركز الطفولة الشعبية للتربية الإعلامية والرقمية يُعد من أبرز مخرجات المؤتمر. فوجود مؤسسة مستقلة تُعنى بالبحث، التكوين، والإنتاج المعرفي في المجال الرقمي التربوي يُمكن أن يشكّل رافعة علمية وتنظيمية قوية. غير أن نجاح هذا المشروع رهين بمدى قدرته على الانفتاح على الفاعلين، وتأمين التمويل المستدام، وربط شبكات تعاون وطنية ودولية ذات مصداقية.
في الأخير  ان مؤتمر وزان قد وضع  خريطة طريق واضحة المعالم، تستند إلى القيم، وتنفتح على التكنولوجيا، وتطمح لبناء جيل رقمي مسؤول وليس مرقمنا حسب الدكتور شكدالي. 
 والتحدي اليوم  لا يكمن فقط في   مواصلة النقاش وتنامي كتابات فكرية تؤطر لما بعد المؤتمر، بل  أيضا في القدرة معا على تعميم الممارسة، والانخراط في تجسيد مضامين المؤتمر  عبر تحويل فكرة نداء وزان إلى فعلٍ تربوي  داخل مجال الطفولة والشباب. 
إنه نداء من أجل طفولة رقمية ذكية، حرة، ناقدة، ومتجذرة في هويتها. رفعة طفولتنا، أمل مستمر.....