بمناسبة تخليد الذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هذه المبادرة الملكية الرائدة التي أطلقها قائد مسيرة التنمية، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم 18 ماي 2005، نقف باعتزاز أمام تجربة استثنائية شكلت ورشا اجتماعيا وتنمويا غير مسبوق، يستهدف النهوض بالعنصر البشري ومحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الإجتماعي.
لقد كانت المبادرة منذ انطلاقتها تجسيدا فعليا للرؤية المتبصرة والحكيمة لجلالة الملك، الذي جعل من المواطن المغربي محور السياسات العمومية، إيمانا من جلالته بأن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالإستثمار في الإنسان، وتمكينه من العيش الكريم، وتوفير شروط الإرتقاء الإجتماعي له ولأسرته، ومن أبرز ما يميز المبادرة كونها صناعة مغربية أصيلة، تمثل نموذجا تنمويا متكاملا وملهما.
إنجازات ميدانية وإشعاع وطني ودولي:
على مدى عقدين، حققت المبادرة إنجازات ملموسة على أرض الواقع، من خلال تمويل آلاف المشاريع المدرة للدخل، وتأهيل البنيات التحتية الأساسية، وتوسيع قاعدة الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليمية، خاصة في العالم القروي والمناطق الهشة، كما خصصت دعما خاصا لفئة الشباب والنساء عبر برامج مبتكرة للإدماج الإقتصادي وتعزيز روح الريادة والمقاولة.
وذلك باعتماد المبادرة على مقاربة تشاركية، حيث تضع المواطن في صلب الفعل التنموي، وتستند إلى قيم المواطنة، والمساءلة، والحكامة الجيدة، مما جعل منها نموذجا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي.
التحديات الكبرى وكيف تم تجاوزها:
رغم النجاحات المحققة، لم تكن الطريق سهلة مفروشة بالورود، بل واجهت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحديات كبرى في بعض المناطق، أهمها ضعف التنسيق بين الفاعلين، نقص الموارد البشرية المؤهلة، وصعوبة الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة في بعض المناطق النائية، كما مثلت الإستدامة وإدماج البعد البيئي في مجموعة من المشاريع تحديا إضافيا.
ولمواجهة هذه الإكراهات، تم اعتماد مجموعة من الإصلاحات التدريجية، شملت:
-إعادة هيكلة آليات الحكامة والتتبع.
-تبني منهجيات جديدة لتشخيص الحاجيات المحلية.
-توسيع قاعدة الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
-تعزيز التكوين والتأطير للفاعلين المحليين.
-استعمال الوسائل الرقمية لتحسين التتبع والتقييم وضمان الشفافية.
هذه الإجراءات ساهمت في رفع نجاعة البرامج والمشاريع في المرحلة الثالثة من المبادرة، وتقوية أثرها التنموي والإجتماعي، مع توجيه الموارد نحو الفئات والأولويات التي تستحقها فعلا.
أفاق متجددة والتزام دائم:
إن تخليد الذكرى العشرين لا يمثل فقط لحظة فخر بما تحقق، بل هو أيضا دعوة صريحة لجميع الفاعلين، وعلى رأسهم المسؤولين المحليين، للإنخراط بفعالية في الدينامية الملكية المتجددة، وذلك عبر:
-الإنصات للمواطنين وفتح قنوات التشاور.
-اعتماد مقاربة شاملة مع المجتمع المدني.
-تحسين آليات تتبع وتقييم المشاريع.
-تحفيز المقاولة الشبابية والإبتكار المحلي.
-ضمان العدالة المجالية في توزيع المشاريع.
-تقوية قدرات الفاعلين المحليين بالتكوين المستمر.
-الإبتكار في تعبئة الموارد عبر الشراكات.
استشراف المستقبل:
إن استشراف المستقبل يتطلب تخطيطا ذكيا وتقييما صارما، ودعما موجها للشباب والنساء، خاصة في المناطق القروية والجبلية، بما يضمن أثرا عميقا ومستداما.
وفي الأخير، يبقى الإستثمار في الإنسان هو الإستثمار في مستقبل الوطن، وكل خطوة نخطوها نحو تنمية بشرية عادلة، هي لبنة نضيفها في صرح مغرب الكرامة والتضامن وخطوة للتعبير عن الوفاء للثوابت الوطنية، وتعبئة جماعية من أجل مغرب متضامن، قوي، ومنصف، تحت القيادة الرشيدة لمبدع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية جلالة الملك محمد السادس.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾