أيمن فقد عائلته والمدينة فقدت براءتها: فاجعة انهيار عمارة في فاس تعري واقع البنايات الآيلة للسقوط

أيمن فقد عائلته والمدينة فقدت براءتها: فاجعة انهيار عمارة في فاس تعري واقع البنايات الآيلة للسقوط السلطات المحلية بعمالة فاس أعلنت أن تسعة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب سبعة آخرون
في لحظة واحدة، تغير كل شيء بالنسبة للطفل أيمن. لم يعد له لا أب ولا أم، لا إخوة ولا سقف يأويه. بقي وحيدًا بين ركام الذكريات، باحثًا عن ظل عائلة قضت تحت أنقاض عمارة الحي الحسني، في مدينة فاس، التي تحولت في الساعات الأولى من فجر الجمعة 9 ماي 2025، إلى عنوان جديد للفقد والفشل.

السلطات المحلية بعمالة فاس أعلنت أن تسعة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب سبعة آخرون، جراء انهيار مبنى سكني من عدة طوابق. فرق الإنقاذ والأمن والوقاية المدنية هرعت إلى الموقع، وتم تأمين محيط العمارة المنهارة وإجلاء سكان الأبنية المجاورة كإجراء احترازي. التحقيقات انطلقت لمعرفة أسباب الانهيار، لكن معطى واحدًا كان واضحًا منذ البداية: هذه البناية كانت مُدرجة ضمن قائمة المباني الآيلة للسقوط، وصدر في حقها أمر بالإخلاء.

غير أن هذا المعطى ليس جديدًا على مدينة فاس، ولا على باقي مدن المغرب. التقارير الوطنية تشير إلى وجود أزيد من 18 ألف بناية آيلة للسقوط، 85 في المائة منها ما تزال مأهولة، تهدد أكثر من 57 ألف أسرة بالتشريد، وسط صعوبات حكومية تتعلق بانخراط الساكنة، وغياب العقار العمومي لإعادة الإيواء. وقد شكلت المدن العتيقة بؤرًا حرجة لهذا النوع من المخاطر، وفاس واحدة من أبرزها.

فرغم استثمارات ضخمة بلغت 3 ملايير درهم منذ 2010 لمعالجة وضعية الدور الآيلة للسقوط خاصة في  المدينة العتيقة بفاس، وشملت 4671 بناية، إلا أن الفاجعة تكشف أن الخطر لم يزَل محدقًا لا سيما خارج اسوار المدينة القديمة وفي الأحياء العشوائية، وأن شبكات البناء العشوائي، والتراخيص المشبوهة، وتهاون السلطات، كلها عوامل ما تزال تتقاطع لتصنع هذه الكوارث المتكررة.

في خضم هذا الحزن، عاد الجدل حول نجاعة البرامج الرسمية لمعالجة هذا النوع من الخطر البنيوي. فقد أكد جواد شفيق، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي والكاتب الإقليمي بفاس، أن ما حدث لم يكن مفاجئًا بالكامل، قائلاً إن "مثل هذه الحوادث منتظرة في مناطق عدة من المدينة"، بالنظر إلى ظروف البناء غير القانونية التي شابت نشأة عدد من العمارات.

وأوضح شفيق أن "العديد من البنايات خضعت لإصلاحات وإضافات دون احترام الشروط التقنية والهندسية، بل باستعمال مواد مغشوشة، وبدون أي دراسات جيولوجية".

وشدد على أن المسؤولية تقع على من سمح بهذه الخروقات، من منتخبين وسلطات محلية، وأيضًا على من "تحايلوا على القانون واغتنوا من فوضى البناء العشوائي"، داعيًا إلى مساءلة هؤلاء أخلاقيًا وجنائيًا.

ورغم تفهمه لصعوبة الظروف الاجتماعية التي تدفع بعض السكان إلى تجاهل أوامر الإخلاء، اعتبر شفيق أن حماية الأرواح يجب أن تكون أولوية مطلقة، حتى لو تطلب الأمر "الإخلاء بالقوة حين تُثبت الدراسات العلمية أن البناية مهددة بالسقوط".

ودعا إلى الصرامة في التعامل مع هذا الملف، وإيجاد حلول اجتماعية بديلة، محذرًا من أن "مناطق مثل الحي الحسني، الجنانات، عونة الحجاج، وزواغة، تضم آلاف الأسر وتواجه خطرًا حقيقيًا بسبب طابعها العشوائي وانعدام البنية التحتية".

تصريح جواد شفيق، القيادي الاتحادي والكاتب الإقليمي للحزب بمدينة فاس، يلخص هذا التواطؤ المركب بين الإهمال والربح: "بنيات كثيرة شُيّدت في ظروف غامضة، خضعت لإصلاحات غير قانونية، واستخدمت فيها مواد مغشوشة، وغابت عنها الدراسات الجيولوجية... مسؤولية هذه الكارثة موزعة بين منتخبين وسلطات ومضاربين في البناء العشوائي".
فاجعة فاس تعيد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا جديدًا: من يحمي قاطني الدور الآيلة للسقوط من الموت تحت الإسمنت؟ كيف يمكن الجمع بين الحفاظ على النسيج التاريخي وبين ضمان شروط السلامة خاصة في المدن القديمة ؟ وهل يكفي تحذير السكان من خطر الموت، أم أن التدخل الإجباري أصبح ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

السلطات المحلية، وعلى رأسها والي الجهة، كانت حاضرة ميدانيًا، لكن الحضور الرمزي بعد الفاجعة لا يعوض الغياب عن الوقاية منها. فالحلول الجزئية لم تعد كافية. المطلوب اليوم سياسة إسكانية عادلة، حازمة، ومندمجة، تضع حياة المواطنين في صدارة أولوياتها، قبل أن نحصي ضحايا آخرين في فواجع قادمة.

في زوايا الحي الحسني، لا تزال رائحة الغبار والدموع تخيم على المكان. فأشباه الطفل أيمن كثر، أطفال فقدوا أسرهم، وعائلات فقدت أمنها، وأحياء فقدت إيمانها بأن أرواح الناس في هذا البلد تستحق ما هو أكثر من مجرد إشعار بالإخلاء.