هل نحن بصدد تجميل الواجهة فقط، بينما الأعطاب البنيوية ما تزال تنخر جسد الوطن في العمق؟
شغب الملاعب... عرض لمرض أعمق
ما جرى لم يكن حادثًا معزولًا. بل هو عرض واضح لاحتقان اجتماعي يتجاوز حدود المستطيل الأخضر ويتعدى حدود محيط الملاعب .
الجماهير ـ أو "الزبدة" كما يصفها بعض العارفين بكرة القدم ـ لم تعد فقط جمهورًا رياضيًا، بل تحولت إلى مرآة تعكس واقعًا مشحونًا بالهشاشة، الإقصاء، والفراغ القيمي وقد تناثرت تجلياته عبر سنين وتواثرت تداعياته عبر الجغرافيا المغربية .
إنه جمهور يشعر بالغُربة داخل الوطن، محروم من فضاءات التعبير، محاط بخطاب رسمي يُبشّر بنجاحات عالمية، بينما هو يلامس واقعًا مغايرًا: بطالة، انسداد الأفق، تهميش ثقافي، وشبه غياب لبرامج التأطير والتنشئة ويفتقر لشحنة المواطنة وقيم الإنسانية .
هل نحن أمام تسييس الصورة وتهميش الجوهر ؟
لأن السياق يبرز مفارقة صارخة: تراكم النجاحات في تنظيم التظاهرات الدولية (مونديال الأندية، ألعاب القوى، كأس العالم...)، لكننا نعجز عن بناء "ثقافة رياضية مواطِنة" تُنتج جمهورًا مسؤولًا، وتُعيد للرياضة بعدها التربوي والأخلاقي والمدني.
لقد تم تسييس "صورة النجاح" دون أن نمتلك أدوات ترسيخ المعنى داخليًا.
ما الفائدة من ملاعب بمواصفات عالمية، إذا تحولت إلى ساحاتها للصراع والإنفجار؟
وما القيمة في تصدير صورة بلد متطور رياضيًا، إذا كانت قاعدته الجماهيرية تعاني من التهميش واللا انتماء؟
ومن أجل رؤية أكثر اتزانًا هو أن ما نحتاجه اليوم ليس فقط مشاريع إسمنتية "و بس " بل مشروعًا مجتمعيًا يُعيد الإعتبار للجمهور كفاعل وشريك. تأطير الجماهير، دعم الجمعيات الجادة، إعادة الإعتبار للمدارس الرياضية، وتكريس قيم الانتماء... كلها خطوات جوهرية لضمان أن تكون كأس العالم فرصة حقيقية للإصلاح، لا مجرد لحظة تجميل مؤقتة.
إن مستقبل الرياضة المغربية، بل مستقبل البلاد ككل، لن يُبنى فقط عبر الشراكات الدولية، بل عبر مصالحة داخلية حقيقية، تجعل من الإنسان ـ لا فقط "الصورة" ـ بل محور كل السياسات و أولى اللبنات طبقا لقوله تعالى "وكرمنا بني آدم"