المسؤولية الطبية في المغرب.. نظام يحتاج إلى إصلاح عاجل

المسؤولية الطبية في المغرب.. نظام يحتاج إلى إصلاح عاجل الدكتور أنور الشرقاوي والدكتورة نزهة سعدي
بقلم: الدكتور أنور الشرقاوي بتعاون مع الدكتورة نزهة سعدي رئيسة جمعية أطباء النساء والتوليد بالقطاع الخاص جهة الرباط

في السادس والعشرين من أبريل سنة 2025، نظّمت جمعية أطباء النساء والتوليد بالقطاع الخاص بالرباط (AGOPR) يوماً دراسياً بالغ الأهمية حول موضوع المسؤولية الطبية.

ولم يكن ذلك اليوم مناسبة عادية، بل كان صرخةً في وجه الصمت، ونداءً إلى من يملك القرار، بأن الوقت قد حان ليُصحّح المسار، ويُعاد بناء نظام مسؤولية طبية عادل، إنساني، ومتوازن.

جهل بالقانون... يهدد الكيان

كشف النقاش أنّ كثيراً من الأطباء يجهلون واجباتهم القانونية، خصوصاً فيما يخص الفرق الجوهري بين المسؤولية المدنية التي تغطيها شركات التأمين، والمسؤولية الجنائية التي قد تجرّ الطبيب إلى السجن.

وهذا الجهل لا يُعذر في مهنة ترتبط فيها الحياة والموت بخيط من الحكمة والضمير.

الخبرة الطبية ... هل هي عدالة أم خديعة ؟

الخبير الطبي، ذاك الشاهد الحاسم في النزاعات، يعاني هو نفسه من غياب التكوين المتخصص، وافتقار نظام التعيين إلى معايير صارمة، مما يُضعف مصداقية التقارير ويفتح الباب أمام الشكوك والانزلاقات.

ولذلك، أوصى الحاضرون بضرورة أن يكون الخبير طبيباً متمرساً، نظيف السجل، مكونا ومدرباً وفق أعلى المعايير.

يوجد تكوين في الدار البيضاء، وآخر بدأ يُولد في الرباط، فهل من دعم ليشبّ ويشتدّ؟

نحو تأمين جماعي يحمي الكرامة والمهنة

طرحت الجمعية فكرة تأسيس تأمين جماعي للأطباء، شبيه بما يتوفر عليه المحامون، تشرف عليه الهيئة الوطنية للأطباء (CNOM).

تأمين لا يضمن فقط حماية الطبيب من التقاضي التعسفي، بل يُعيد الثقة بين المواطن والجسم الطبي، ويُعيد الهيبة إلى الرداء الأبيض.

تشريع قديم... لقضية حديثة

أجمع الأطباء و المحامون ورجال ونساء القانون المشاركون على أن القوانين الحالية لا تواكب خصوصيات المهنة الطبية.

فالجراح ليس محاسباً، والطبيب لا يُقاس بمسطرة المهندس، بل يحتاج إلى قانون يتفهم طبيعة عمله، ويوازن بين واجبه الإنساني ومسؤوليته القانونية.

فلنكتب مدونة مغربية للمسؤولية الطبية، بعين طبية، وعقل قانوني، وروح وطنية.

غيابٌ... لا يُغتفر

لكن الغائب الأكبر عن هذا اليوم المصيري كان المجلس الوطني لهيئة الأطباء. غيابه أثار الاستياء، لأنه المعني الأول بالتغيير، والمسؤول الأول عن الوقوف بجانب الأطباء، لا في لحظات المجد فحسب، بل في ساعات المحنة أيضاً.

لقد سلّطت ندوة AGOPR الضوء على تصدّعات عميقة في جدار المسؤولية الطبية ببلادنا.

فإما أن نستيقظ اليوم ونعيد البناء، أو نواصل الغفلة حتى ينهار النظام برمّته، ونفقد ثقة الطبيب في مؤسسته، وثقة المريض في طبيبه.

إنّ إصلاح المسؤولية الطبية لم يعد ترفاً مؤسساتياً، بل صار واجباً وطنياً مستعجلا.