إدريس اليزمي: أدب الهجرة المغربية أصبح أكثر أنوثة ويُكتب اليوم بجميع لغات العالم.

إدريس اليزمي: أدب الهجرة المغربية أصبح أكثر أنوثة ويُكتب اليوم بجميع لغات العالم. إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج
مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، بدأت مرحلة جديدة تمثلت في ديمقراطية العلاقة مع الجالية، من خلال إنشاء مجلس استشاري لمغاربة العالم، وإصلاح عملية مرحبا التي أُوكلت سنة 2001 إلى مؤسسة محمد الخامس للتضامن.

تم يوم الأحد 27 أبريل 2025 بالرباط اختتام فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي احتفى هذه السنة بكتاب ومبدعي مغاربة العالم. بمشاركة أزيد من 170 ضيفًا وضيفةً من المغرب ومن 16 بلد إقامة لمغربة العالم.

وبالإضافة إلى تكريم عدة شخصيات بارزة من تاريخ الهجرة (عبد الله بونفور، للا خيتي بن هاشم، المرحوم أحمد غزالي، إدمون عمران المالح)، أولت هذه الدورة اهتمامًا خاصًا بالأديب إدريس الشرايبي الذي يُستعد للاحتفال بمئوية ميلاده العام المقبل

شمل البرنامج المخصص لهذه الدورة معرضًا لأربعة عشر مصورًا فوتوغرافيًا من مغاربة العالم، وعروضًا سينمائية لعشرة أفلام رائدة حول الهجرة المغربية، وإصدار عددين خاصين من مجلتي "ديبتيك" و"كتاب"، وأمسية شعرية تضمنت قراءات شعرية بالعربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية بمشاركة 11 شاعرًا وشاعرة، وأربع لقاءات فلسفية، وعشرين مناقشة حول روايات ودراسات حديثة مع تركيز خاص على الكتابات النسائية في سياق الهجرة، بالإضافة إلى ندوتين حول البحث الأكاديمي في قضايا الهجرة المغربية واستعمالاته، إلى جانب عدة لقاءات وحوارات ثقافية

كما أقيمت مكتبة كبرى للهجرة تضمنت أكثر من 600 عنوان، أظهرت غنى وتعدد أصوات مغاربة العالم وثراء تجاربهم، وتم بالموازاة إصدار عشرين مؤلفًا جديدًا بشراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج ودور نشر مغربية. كما أطلقت وزارة الشباب والثقافة والتواصل برنامجًا طموحًا لترجمة أعمال مغاربة العالم الأدبية إلى اللغة العربية.

في هذا الحوار مع ادريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج يتحدث عن ما تم تحقيقه من طرف المجلس.

لماذا اخترتم التنظيم المشترك مع مؤسسات وطنية أخرى خلال هذه الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للكتاب؟

نحن حاضرين هذا العام بشكل مزدوج: من خلال جناح مشترك مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل لتكريم مغاربة العالم، ومن خلال جناح آخر مع ست مؤسسات معنية بحماية الحريات، والحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية. وتشمل هذه المؤسسات: الهاكا، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤسسة الوسيط، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مجلس المنافسة، والمجلس الوطني لحماية المعطيات الشخصية/اللجنة الوطنية للولوج إلى المعلومات. هذه المبادرة، التي أُطلقت العام الماضي، تعكس القناعة المشتركة بين هذه المؤسسات بتكامل أدوارها الدستورية، التي تهدف أساساً إلى خدمة المواطنين وحماية حقوقهم، سواء داخل المغرب أو خارجه.

كما تهدف إلى تسهيل التواصل المباشر بين الزوار من مختلف الأعمار والاهتمامات ومسؤولي هذه المؤسسات، للتعريف أكثر بمهامها ومجالات تدخلها.

من جهة أخرى، تحتفي هذه الدورة بإبداع مغاربة العالم في جميع المجالات الثقافية: الأدب، الفنون التشكيلية، السينما، التصوير الفوتوغرافي، الأغنية، إلخ، من خلال استضافة 170 ضيفاً، وتنظيم 70 نشاطاً، ومعرض صور يضم أربعة عشر فناناً من مغاربة العالم، وبرمجة سينمائية تشمل أولى الأفلام المغربية عن الهجرة، وأربع تكريمات لشخصيات بارزة في تاريخ الهجرة، وعددين خاصين من مجلتين (عدد خاص من مجلة Diptyk مخصص للفنانين التشكيليين من مغاربة العالم، وآخر من مجلة Qitab مخصص للروائيات المغربيات في المهجر)، وغير ذلك.

ما هو تقييمكم للسياسات العمومية المتعلقة بتدبير الهجرة المغربية، وهو المجال الذي يرتبط به المجلس؟

يجدر التذكير بأن مجلس الجالية المغربية بالخارج مؤسسة دستورية مستقلة عن الجهاز التنفيذي، الذي يتولى مهمة صياغة وتنفيذ السياسات.

لقد أولى المغرب، منذ وقت مبكر، أهمية استراتيجية لقضية الجالية المغربية بالخارج، حيث بدأت بسياسات رقابية، تجسدت في إنشاء "الوداديات" منتصف السبعينات. ثم جاءت سياسات التأطير الثقافي (مثل إرسال مدرسين لتعليم اللغة العربية، وتنظيم مخيمات صيفية للأطفال)، والديني، إلى جانب مبادرات مختلفة كعملية مرحبا، على سبيل المثال.

وفي التسعينات، تم إنشاء أولى المؤسسات (مؤسسة الحسن الثاني)، وإطلاق مبادرات رائدة مثل أول لقاء للكفاءات المغربية بالخارج في بداية العقد. ومع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش سنة 1999، بدأت مرحلة جديدة تمثلت في ديمقراطية العلاقة مع الجالية، من خلال إنشاء مجلس استشاري (CCME)، وإصلاح عملية مرحبا التي أُوكلت سنة 2001 إلى مؤسسة محمد الخامس للتضامن. كما تم التركيز على الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين، وعلى مسألة تعبئة الكفاءات، والمرافقة الدينية والروحية، خصوصاً في ظل تصاعد خطابات التطرف والإرهاب.

ما هي أبرز التحولات التي شهدتها الهجرة المغربية، التي تجاوز عمرها اليوم قرناً من الزمن وتشمل عدة أجيال؟

من الواضح أن الهجرة المغربية اليوم تشمل جميع مناطق المغرب وجميع الفئات الاجتماعية. أصبحت التنقلات أمراً عادياً لدى الكثير من المغاربة، ولم يعد غريباً أن يعيش الشخص في عدة دول متتالية. من بين التحولات أيضاً: العولمة في حركة الهجرة المغربية، تزايد عدد النساء المهاجرات، بروز أجيال جديدة، شيخوخة الجيل الأول من المهاجرين، والتطور السوسيو-ثقافي للمهاجرين. هذه التغيرات أفرزت تنوعاً استثنائياً في ملفات المهاجرين، وجهاتهم وتجاربهم.

كما أصبحت تطلعات هذه الجالية وطموحاتها تجاه بلدها الأم أكثر تنوعاً، فهناك، من جهة، مطالب متزايدة لاحترام الحقوق، ومن جهة أخرى، رغبة قوية في المشاركة في مختلف أوراش التنمية بالمملكة.

الثقافة تُعد أحد الركائز الأساسية لتعزيز ارتباط مغاربة العالم بوطنهم الأم. كيف تنظرون إلى السياسات التي طُورت في هذا المجال؟

منذ البداية، أولينا أهمية كبيرة للثقافة بهدف مزدوج: أولاً، تعريف المغاربة بالإبداع الثقافي لمغاربة العالم، وثانياً، التعريف بالثقافات المغربية داخل مجتمعات الهجرة. لذلك شاركنا مبكراً في معارض الكتاب، دعمنا معارض فنية، أفلام، وسياسات نشطة لنشر الكتب، وغيرها. وهي طريقة أيضاً لتذكير الجميع بعراقة وتنوع إسهام مغاربة العالم في الحداثة الثقافية للمغرب.

لقد كنا نميل طويلاً إلى اختزال الهجرة المغربية بالخارج في بعدها الاقتصادي فقط، وهذا مفهوم بالنظر إلى إسهامها الكبير في دعم الأسر على المستوى الماكرو-اقتصادي. ولكن، كما أكد عليه خطابان ملكيان حديثان (غشت 2022 ونوفمبر 2024)، فإن مساهمة مغاربة العالم ضرورية في مجالات أخرى أيضاً، مثل الاستثمار – حيث لا يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه –، ودور الجمعيات المهاجرة في التنمية المحلية، وكذا في الجانب البشري، كما سبق وذُكر.

لكن، من بين المجالات التي تُعتبر مساهمة مغاربة العالم فيها أساسية، يبرز المجال الثقافي. فديناميتهم في ميادين مثل السينما، الأدب، الفنون التشكيلية، التصوير الفوتوغرافي، الموسيقى والرقص، تعبّر عن التجربة الهجرية، بأفراحها وصعوباتها.

هذه الإبداعات الثقافية تساعد الأفراد والجماعات على تجاوز أنفسهم، وإغناء ثقافات بلدان الاستقبال، والمساهمة أيضاً في تغذية الثقافة المغربية.

العدد الخاص من مجلة Diptyk يشهد على ذلك، وكذلك العديد من الأعمال الأدبية. فمثلاً، أدب الهجرة المغربية أصبح أكثر أنوثة، ويُكتب اليوم بجميع لغات العالم: العربية، الأمازيغية، الفرنسية، القشتالية، الكتالونية، الإيطالية، الهولندية، الإنجليزية، الألمانية...

فمنذ صدور رواية "الماعز" للدكتور إدريس الشرايبي في باريس سنة 1955 – أول عمل أدبي كبير عن الهجرة المغربية – وحتى ظهور العديد من الكاتبات المهاجرات اليوم، قطع هذا الأدب مساراً طويلاً وغنياً!