في أبريل 2025، وصلت العلاقات بين الهند وباكستان إلى نقطة حرجة، حيث ألقت الأحداث الأخيرة في كشمير بظلالها القاتمة على استقرار جنوب آسيا. هجوم إرهابي في منطقة بهالغام أسفر عن مقتل 26 سائحًا، معظمهم من الهنود، أشعل فتيل أزمة جديدة بين القوتين النوويتين. الهند، التي ألقت باللوم على باكستان، ردت بتعليق معاهدة مياه الند لعام 1960، وفرض عقوبات دبلوماسية، بينما هددت باكستان برد نووي إذا تم قطع إمدادات المياه. هذه التوترات تُبرز الدور الحاسم للردع النووي في منع الحرب الشاملة، ولكنها تثير تساؤلات حول قدرته على احتواء الأزمات في ظل تصعيد غير مسبوق. في هذا المقال، نستعرض الأسباب الكامنة وراء هذا التوتر، ونحلل احتمالية تحول الأزمة إلى صراع واسع النطاق، مع الأخذ في الاعتبار الديناميكيات الإقليمية والدولية.
تاريخيًا، كانت العلاقات بين الهند وباكستان مشحونة بالعداء منذ انفصالهما عام 1947. نزاع كشمير، الذي أثار ثلاث حروب كبرى وعددًا من الاشتباكات، يظل العامل الأكثر تأثيرًا في هذا الصراع. كشمير ليست مجرد إقليم متنازع عليه، بل رمز وطني يحمل دلالات سياسية وثقافية عميقة لكلا البلدين. الهجوم الأخير في بهالغام، الذي وقع في 22 أبريل 2025، يعيد إلى الأذهان أزمات سابقة مثل هجوم بولواما عام 2019، الذي أدى إلى مواجهة عسكرية بين البلدين. اتهمت الهند باكستان بدعم الجماعات الإرهابية المسؤولة عن الهجوم، وهو اتهام ردت عليه باكستان بنفي قاطع، بل واتهمت الهند بتدبير الحادث لتبرير تصعيد عسكري.
رد الفعل الهندي كان سريعًا وحاسمًا. أعلنت الحكومة الهندية تعليق معاهدة مياه الند، التي تنظم توزيع مياه نهر الند بين البلدين، وهي خطوة وصفتها باكستان بأنها “عمل حربي”. كما ألغت الهند جميع التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وهددت برد عسكري محدود إذا استمرت الهجمات. من جانبها، ردت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، مما أثر على الرحلات الجوية التجارية، وزادت من حدة التوتر بتصريحات نووية صريحة. وزير السكك الحديدية الباكستاني، هانيف عباسي، هدد باستخدام 130 رأسًا نوويًا موجهة نحو الهند، مشيرًا إلى صواريخ مثل غوري وشاهين. هذه التصريحات، إلى جانب إقرار وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف بدعم بلاده لجماعات إرهابية في الماضي، أثارت موجة من القلق الدولي.
الردع النووي، الذي يُعتبر حجر الزاوية في العلاقات بين الهند وباكستان، يعتمد على مبدأ الدمار المتبادل. الهند، التي أجرت أول اختبار نووي عام 1974، تمتلك حوالي 160 رأسًا نوويًا، بينما تقدر ترسانة باكستان بحوالي 130-150 رأسًا بحلول 2025. كلا البلدين طورا قدرات نووية متقدمة، حيث تمتلك الهند تريادًا نوويًا يشمل صواريخ باليستية، صواريخ كروز، وغواصات نووية مثل INS Arihant. باكستان، من جانبها، تعتمد استراتيجية “الردع الكامل”، مع التركيز على الأسلحة النووية التكتيكية مثل صواريخ نصر قصيرة المدى، التي تهدف إلى ردع الهجمات التقليدية الهندية. لكن هذه الأسلحة التكتيكية تخفض عتبة استخدام السلاح النووي، مما يزيد من مخاطر التصعيد غير المقصود.
الأزمة الحالية تُظهر هشاشة الردع النووي في مواجهة التوترات السياسية والعسكرية. تبادل إطلاق النار على الحدود يوم 24 أبريل 2025، وإن كان محدودًا، يشير إلى إمكانية تدهور الوضع بسرعة. التاريخ يعلمنا أن الردع النووي لم يمنع الاشتباكات التقليدية، كما حدث في حرب كارغيل عام 1999، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف جندي. أزمة بالاكوت عام 2019، التي شهدت غارات جوية هندية على أراضي باكستان، أظهرت أيضًا كيف يمكن للأحداث أن تقترب من حافة التصعيد. في السياق الحالي، قد يؤدي رد عسكري هندي محدود إلى رد باكستاني يتضمن أسلحة تكتيكية، مما قد يشعل صراعًا نوويًا كارثيًا.
الأسباب الكامنة وراء هذه التوترات تتجاوز نزاع كشمير. التنافس على الهيمنة الإقليمية يلعب دورًا كبيرًا، حيث تسعى الهند إلى تأكيد مكانتها كقوة عظمى ناشئة، بينما تعتمد باكستان على قدراتها النووية لموازنة التفوق الهندي. العلاقة مع الصين تضيف تعقيدًا إضافيًا. الصين، الحليف الاستراتيجي لباكستان، ساهمت في تطوير برامجها الصاروخية، بينما تواجه الهند توترات متصاعدة مع الصين على الحدود الهيمالايية. هذا التنافس الثلاثي يجعل استقرار جنوب آسيا أكثر هشاشة، حيث تؤثر قرارات أي من الدول الثلاث على الأخريات.
الضغوط السياسية الداخلية تُفاقم الأزمة. في الهند، غالبًا ما تُستخدم التوترات مع باكستان لتعبئة الدعم الشعبي، خاصة مع اقتراب مواسم الانتخابات. أزمة بالاكوت عام 2019 استُغلت سياسيًا لتعزيز صورة الحكومة كمدافعة عن الأمن القومي. في باكستان، تواجه الحكومة تحديات اقتصادية وسياسية، مما قد يدفعها إلى تبني مواقف متشددة لصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية. هذه الديناميكيات تجعل اتخاذ قرارات عقلانية أكثر صعوبة، حيث تتداخل المصالح السياسية مع الأمن القومي.
على الصعيد الدولي، تلعب القوى العظمى دورًا حاسمًا في احتواء الأزمة. الولايات المتحدة، التي تربطها شراكة استراتيجية مع الهند، لديها مصلحة في منع التصعيد، خاصة في ظل التوترات العالمية المتزايدة. الصين، كحليف لباكستان، قد تسعى لتهدئة الوضع لتجنب اضطرابات إقليمية تؤثر على مصالحها الاقتصادية، مثل ممر الصين-باكستان الاقتصادي. ومع ذلك، فإن التوترات بين الهند والصين قد تعيق جهود الوساطة، مما يجعل التدخل الدولي أقل فعالية.
العواقب المحتملة لصراع نووي بين الهند وباكستان كارثية. تشير الدراسات إلى أن استخدام 100-150 سلاحًا نوويًا قد يؤدي إلى مقتل 50-125 مليون شخص على الفور، مع تأثيرات بيئية طويلة الأمد. انخفاض درجات الحرارة العالمية بنسبة 2-5 درجات مئوية، إلى جانب انخفاض هطول الأمطار بنسبة 15-30%، قد يتسبب في أزمات غذائية عالمية، تؤثر على مليارات البشر. هذه السيناريوهات تجعل من الضروري بذل كل جهد ممكن لتجنب التصعيد.
في ظل هذه الظروف، يبقى الحل الدبلوماسي الخيار الأمثل، رغم صعوبته. إعادة تفعيل قنوات الحوار، بمساعدة وسطاء دوليين، قد تساعد في نزع فتيل الأزمة. كما أن تعزيز الثقة المتبادلة من خلال اتفاقيات مثل معاهدة مياه الند يمكن أن يقلل من التوترات. ومع ذلك، فإن الشكوك العميقة بين البلدين، إلى جانب الضغوط السياسية الداخلية، تجعل هذا المسار شاقًا.
في الختام، تقف الهند وباكستان اليوم على حافة هاوية نووية، حيث يمكن أن تؤدي أي خطوة خاطئة إلى كارثة إنسانية وبيئية لا يمكن تصورها. الردع النووي، رغم دوره في منع الحرب الشاملة، لا يضمن الاستقرار في مواجهة الأزمات الحادة. الأمل الوحيد يكمن في الحذر والحكمة من قادة البلدين، مع دعم دولي فعال لتجنب التصعيد. إن مصير جنوب آسيا، وربما العالم بأسره، يعتمد على القدرة على تجاوز هذه الأزمة بالحوار بدلاً من السلاح.
د. إدريس الفينة، باحث في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي.