بويا علي الرميتي: قراءة في دراسة الباحث سيد أحمد الشرادي حول مقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء

بويا علي الرميتي:  قراءة في دراسة الباحث سيد أحمد الشرادي حول مقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء سيد أحمد الشرادي
في دراسة تحليلية دقيقة، سلط الدكتور سيد أحمد الشرادي الضوء على مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل سياسي لنزاع الصحراء، محاولًا تفكيك السياقات العامة والمضامين الجوهرية لهذا المقترح، مع الإشارة إلى إمكانيات تطويره مستقبلا بما ينسجم مع المتغيرات الدولية والإقليمية.

- سياق تقديم وعرض مقترح الحكم الذاتي:
يبدأ الكاتب في دراسته القيمة بالوقوف على المعنى العام لمفهوم الحكم الذاتي، معتبرا إياه في التجارب الدستورية العالمية حلا وسطا بين مطلب الاستقلال الذي يطالب به الفاعل المحلي وبين الإصرار على الإدماج الكامل الذي تتبناه الدولة المركزية. ويبرز هذا الحل كآلية لتأسيس دولة ديمقراطية قائمة على التعددية والاعتراف بالخصوصيات الثقافية في أجواء من المصالحة الوطنية.
وفي خصوص الحالة المغربية، يوضح الدكتور الشرادي أن نزاع الصحراء كان منذ بدايته نزاعًا ذا طابع دولي، مما فرض حلا يتجاوز الإطار الوطني الداخلي. ويستعرض في هذا السياق عدة معطيات دولية ووطنية كانت وراء بلورة مبادرة الحكم الذاتي.
أولًا، يشير إلى التحول الذي عرفه خطاب الأمم المتحدة بشأن النزاع، حيث انتقل من مقاربة تقليدية ترتكز على الاستفتاء كخيار وحيد إلى تبني مقاربة توازن بين الشرعية الدولية والواقعية السياسية. ويتجلى هذا التحول في تقارير الأمانة العامة للأمم المتحدة، خاصة تقرير سنة 2006 الذي دعا الأطراف إلى إيجاد حل سياسي توافقي يستند إلى القانون الدولي والحقائق السياسية.
ثانيًا، يبرز الكاتب كيف تطور مفهوم تقرير المصير نفسه، إذ لم يعد مقتصرًا على خيارين (الاستقلال أو الإدماج)، بل أصبح يشمل صيغًا وسطية مثل الحكم الذاتي الموسع.
ثالثًا، يلاحظ أن المنتظم الدولي صار يعتبر أن أي تسوية للنزاع ينبغي أن تقوم على قاعدة التراضي، لا على فرض الحلول الأحادية. ويستدل بفشل مشروع مخطط بيكر الثاني كمثال على ذلك.
رابعًا، يقدم الشرادي جملة من الأسباب التي تفسر هذا التحول: منها نهاية الحرب الباردة، وانفتاح المغرب على منظومة حقوق الإنسان، وتزايد الإحساس الدولي بضرورة البحث عن حلول توافقية للنزاعات الإقليمية.
كما يشير إلى أن المغرب بدوره طور من أدائه الدبلوماسي، معتمدًا دبلوماسية هجومية منفتحة على قوى دولية جديدة، مع تعزيز حضوره في مناطق لطالما كانت بعيدة عن تأثيره مثل أمريكا اللاتينية وروسيا.

- مضامين مبادرة الحكم الذاتي وفلسفتها:
ينتقل الكاتب لتحليل نص مبادرة الحكم الذاتي المغربية، المكونة من 35 مادة. ويلاحظ أن نص المبادرة يعتمد معجمًا حداثيًا ديمقراطيًا ويبتعد عن الأدبيات الكلاسيكية التي كانت سائدة في الوثائق الرسمية حول النزاع.
تؤكد المبادرة منذ البداية أنها تأتي استجابة لدعوة مجلس الأمن الدولي، الذي طلب من الأطراف تقديم مقترحات عملية قابلة للتنفيذ. وهي تسعى للوصول إلى حل سياسي مقبول لدى جميع الأطراف من خلال الحوار والتفاوض.
كما تتبنى المبادرة بعدين متلازمين: بعد ديمقراطي وإنساني يسعى إلى بناء مجتمع متسامح وحداثي، وبعد إدماجي ومصالحي يهدف إلى تعزيز اللحمة الوطنية عبر ضمان حقوق العائدين وإصدار عفو شامل عن كل المتورطين في أحداث النزاع.
تضمن المبادرة لسكان الصحراء الحق في إدارة شؤونهم بأنفسهم، عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة، في احترام تام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وتؤكد المبادرة أن أي نظام حكم ذاتي سيتم التوصل إليه، سيكون موضوع استفتاء حر وديمقراطي تحت إشراف الأمم المتحدة، مما يضمن احترام مبدأ تقرير المصير كما هو متعارف عليه دوليًا.

- هندسة السلطات والاختصاصات في المبادرة:
يخصص الكاتب جزءًا مهما لتحليل هندسة السلطة كما تقترحها مبادرة الحكم الذاتي. فالجهة ستتمتع بحكومة محلية منتخبة مسؤولة عن تسيير الشؤون اليومية، مع مجلس تشريعي منتخب يتمتع باختصاصات حصرية تشمل مجالات التعليم، الصحة، التنمية الاقتصادية، البيئة، الثقافة، وغيرها.
أما السلطة القضائية، فستمارس من خلال محاكم جهوية تتكفل بالنظر في النزاعات المحلية، مع احترام استقلالية القضاء وضمانات المحاكمة العادلة.
بالمقابل، تحتفظ الدولة المركزية المغربية بالاختصاصات السيادية الكبرى مثل الدفاع الوطني، العلاقات الخارجية، العملة، والسيادة على المجال الترابي.

خلاصة عامة:
يحاول الدكتور الشرادي من خلال هذه الدراسة المتينة التأكيد على أن مقترح الحكم الذاتي المغربي مبادرة جادة وواقعية، تنبع من تحولات دولية وإقليمية عميقة، وتستجيب لمتطلبات الحل السياسي السلمي الواقعي.
ويرى الكاتب أن هذه المبادرة توازن بين حماية الوحدة الترابية للمغرب وبين احترام خصوصيات سكان الصحراء، داعيًا إلى تطويرها وتفعيلها بما يتناسب مع التحولات الدولية المتسارعة، مع الحرص على أن تبقى دائمًا مبادرة منفتحة على الحوار والتفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة.