بنعليلو يتحفظ على مشروع المسطرة الجنائية ويرفض أي تضييق على تحريك ملفات جرائم الفساد

بنعليلو يتحفظ على مشروع المسطرة الجنائية ويرفض أي تضييق على تحريك ملفات جرائم الفساد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن موقفه من مشروع قانون المسطرة الجنائية، ينطلق من مستويين أساسيين، مستوى يستحق التنويه وتوصي الهيئة بضرورة دعمه لما يشكله من تحول ملحوظ في فلسفة البحث الجنائي من خلال أساليب البحث الخاصة وتقنيات التحليل المالي وغيرها.. ومستوى ترى الهيئة أنه يشكل مجالا رحبا للعمل التشريعي الرصين، والبناء الصياغي المتين من أجل منظومة إجرائية قادرة على ضمان فعلية تطبيق نصوص التجريم والعقاب بفعالية.

واستعرض بنعليلو موقف هيئته، في لقاء نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، الثلاثاء 22 أبريل 2025، لموضوع مكافحة الفساد عبر عناوين موجهة ترى أن الاستجابة لها والتفكير العميق في محتواها ستشكل استجابة لمتطلبات الملاءمة، كما لمتطلبات الفعالية في مجال مكافحة الفساد، وذلك من خلال تشديد الهيئة على إعطاء دينامية خاصة لآليات التبليغ والكشف عن جرائم الفساد ومتابعة مرتكبيها.

وتعتبر الهيئة أن الحفاظ على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وتحريك المتابعة في جرائم الفساد أمر جوهري في دينامية محاربة الفساد، وبالتالي ترى أن صيغة التعديل التي وردت بها المادة 3 من حيث كونها تحصر نطاق إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، في الطلب المقدم من طرف "الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وإحالة كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك"، يشكل تضييقا على هذا المبتغى، بل وفيه إقرار غير مبرر لتقييد مزدوج لصلاحيات النيابة العامة لفائدة تقديرات إدارية تستند إلى وجهات نظر تقنية/ تدبيرية أكثر منها جنائية.

وهو ما يشكل، بحسب الهيئة، مسا واضحا بالهدف من توسيع مفهوم المبلِّغ وحمايته ليشمل، بالإضافة إلى الشاهد والضحية والخبير الذين يعتبرون أطرافا في الدعوى العمومية، الشخصَ الذاتي أو المعنوي؛ سواء كان موظفا عموميا أو مستخدما بالقطاع الخاص أو شخصا عاديا، وسواء كان هيئة مجتمعية أو منظمة غير حكومية أو هيئة مهنية أو شركة. ما دام التبليغ لن يصبح له أي أهمية في ظل القيود المفروضة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية.

كما تنبه الهيئة إلى أهمية اعتماد منظور موضوعي وواقعي للتقادم منسجم مع خصوصيات جرائم الفساد (هذا المقتضى غير معني بالتعديل).

وتعتبر الهيئة أن احتساب مدد تقادم الدعوى العمومية من يوم ارتكاب الجريمة، طبقا لمقتضيات المادة 5 قانون المسطرة الجنائية من شأنه، أن يؤدي إلى نوع من إفلات مرتكبي هذه الجرائم من المتابعة، خاصة إذا علمنا أن الركن المفترض الأساسي في هذه الجرائم هو الموظف العمومي، وأن استمرار هذا الأخير في وظيفته يتيح له، في حالة ارتكابه لجريمة فساد، فرص التستر عليها إلى حين مرور مدة التقادم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجنح التي تتقادم في التشريع الحالي بأربع سنوات فقط.

علما أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أوصت الدول الأطراف بتحديد مدد طويلة لتقادم هذه الجرائم مع تعليق العمل بالتقادم في حالة إفلات الجاني المزعوم من العدالة.

لذا توصي الهيئة بالتنصيص على تعليق العمل بالتقادم في جرائم الفساد، أو على الأقل احتساب سريانه بالنسبة لهذه الجرائم ابتداء من تاريخ اكتشافها، أو ابتداء من ترك الوظيفة بأي شكل من الأشكال، باعتبار الاستمرار في الوظيفة يشكل فرصة للتستر على جرائم الفساد وإخفائها. (وهو التوجه الذي سارت عليه مجموعة من التشريعات المقارنة).
كما دعت الهيئة إلى الالتفات إلى مجموعة من الإشكاليات التي تطرحها الآجال القانونية المحددة لتقادم العقوبات المطبقة على هذه الجرائم عندما يتعلق الأمر بعقوبة المصادرة، التي ترى الهيئة استثناءها من مقتضيات التقادم العادي، وذلك إما بالتنصيص على تعليق العمل به بالنسبة لهذه العقوبة، أو على الأقل بالتنصيص على مدة مساوية للتقادم المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية بالنسبة للأحكام المتعلقة برد وإرجاع الأموال إلى المتضررين المطالبين بها.

وتعتبر الهيئة الحفاظ على حق جمعيات المجتمع المدني في الانتصاب كطرف مدني واجب معياري بمكانة متميزة في منظومة المكافحة، فالتعديلات التي جاءت بها المادة 7 والرامية إلى اشتراط حصول الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل حسب الضوابط التي يحددها نص تنظيم لانتصابها كطرف مدني، من شأنها أن تحد من إمكانيات انتصابها كطرف مدني أمام القضاء، وان تمس بمكانة هيئات المجتمع المدني الجادة، سواء من جانب مكانتها الدستورية ، أو من جانب المقتضيات القانونية ذات الصلة بالحريات العامة، خاصة وأن الهيئة ترى أن التراجع عن صيغة النص الحالي للمادة 7 لا يستند على مبررات قوية داعمة له، بل ربما يشكل مجرد استنساخ مجتزأ لمقتضى قانوني مقارن، أمام كون قانون المسطرة الجنائية الحالي يشترط لقبول انتصاب الجمعيات بشكل عام كطرف مدني الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة.

وبالتالي ترى الهيئة أن هذا المقتضى سيشكل تضييقا غير مستساغ على حق الجمعيات الجادة في الانتصاب كطرف مدني، ولو لمجرد مظنة اعتبار الإذن المطلوب قد يخضع لتقديرات غير قضائية يتولاها جهاز تنفيذي.

وتعتبر الهيئة أن توجُّه مشروع التعديل نحو إقرار مبدأ إِطْلاع الرأي العام، على القضايا الرائجة في المحاكم والإجراءات المتخذة فيها، بما في ذلك جرائم الفساد، مع إمكانية الإذن للشرطة القضائية بنشر بلاغات حول القضايا المسجلة، وكذا تعيين قاض أو أكثر للنيابة العامة يتولى مهام ناطق رسمي للمحكمة للتواصل مع الرأي العام. (تعتبر ذلك) مبادرة جديرة بالاهتمام، وإن كانت ترى أن الأمر يستدعي على ضوء مجموعة من المحددات المستمدة من توصيات بعض المنظمات الدولية، ومن بعض التشريعات المقارنة، مزيدا من التدقيق من حيث موضوعه، لجعله شاملا لكل الحالات التي تستأثر باهتمام الرأي العام، أو بهدف تفادي شيوع معلومات غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة، أو وضع حد للإخلال بالنظام العام، أو عندما تبرر ذلك أي ضرورة أخرى تتعلق بالمصلحة العامة، ومن حيث القائم به بأن تجعل من النيابة العامة، ناطقا باسم المحكمة تلقائيا، أو بطلب من قاضي التحقيق أو قاضي الحكم أو لم لا في حالات معينة بطلب من أطراف الدعوى.