بالتأكيد، ليست الوطنية أصلا تجاريا حصريا يمتلكه البعض دون غيرهم، و يوزعون شهادات حسن السيرة والسلوك الوطني، كما يشاؤون و على من يشاؤون ...
والوطنية ليست هي التطبيع مع الظلم و كل السلوكات السيئة في التدبير والأخلاق والمواقف ... ولا هي التطبيع مع التخوين والتشكيك في النوايا والطعن في ذمم من نختلف معهم في الاجتهاد وقراءة الأحداث ...
الوطنية ليست هي أن تطلق على شخص صفة "عميل لحساب جهة ما ..." أو صفة "خائن" ...
و امتلاك تلك القناعة في حق الغير، يستوجب بمقتضى القانون أن التوفر على سلطة الشرطة القضائية أو سلطة النيابة العامة، بما يمنحه ذلك من شرعية التحرك لتصحيح وضع مختل ...
أما نشر تلك التهم باعتبارها "حقيقة مطلقة"، فذلك يعني أننا نتوفر على سلطة القضاء و القضاء نحن ...! وهذا غير صحيح بتاتا ... !!!
لذلك، أتسائل كيف يستطيع البعض اتهام من يختلفون مع مواقفهم، بتهمة ثقيلة من قبيل (الخيانة / العمالة) و هم لا يملكون دليلا واحدا على ذلك، سوى "تمايز القراءات" واختلاف الاجتهادات بخصوص أحداث وقضايا معينة ...!!؟؟؟؟ ...
من كان متأكدا من التهم التي يطلقها في حق غيره، يجب أن يتوفر على أدلة ملموسة عليه أن يبادر إلى تسليمها للنيابة العامة، تبليغا عن جريمة ومساهمة في حماية الوطن ....
غير ذلك، فالصمت عن إطلاق التهم الغليظة أفضل وأكرم ... لأن مؤسسات الدولة، وسلطاتها القضائية، لديها من الكفاءة ما يمكنها من أن تقوم بعملها، وهي أقدر على ذلك من أي كان ...
غير ذلك، عبث كبير و فتنة تسيء للوطن و لقيمة الوطنية ...
قبل هذا وذلك، هل يعي البعض أن الذي يتم اتهامه دون حجة ودليل، يمكنه أن يتابعه بتهمة التشهير ؟؟
ماذا نريد بالضبط ؟؟ هل نريد تطبيق القانون وبناء مجتمع يعي فيه الناس حقوقهم، و يقفون عندها دون تجاوز ولا تفريط؟؟ أم ماذا نريد ؟؟
نحن نحتاج إلى كثير من الجدية في نقاشاتنا... وسيكون مفيدا لكي يظل جو الحوار إيجابيا و نافعا لمصالح الوطن والمواطنين ...
كما أن احترامنا لتلك القيم، هو الشرط لنحافظ على احترام الناس لآرائنا ومواقفنا، حتى لو اختلفنا معهم في القراءات ....
بشكل قطعي، الاختلاف مع الغير رحمة، و في المجال العام هو فرصة لتجويد اجتهاداتنا وبناء قناعاتنا بشكل يستفيد من الذكاء الفردي لبناء ذكاء جماعي واعي ومسؤول ...
اختلافنا في الرأي و الاجتهاد و المواقف، تجيز لنا أن ننتقد بعضنا البعض، بل يمكن أن ننفعل و نرفع الأصوات ... لكن ذلك لا يعني أن من حقنا ممارسة التخوين أو التشكيك في وطنية الغير، و الطعن في نواياهم.
أما إذا كنا نستسهل ممارسة التخوين و نعتقد باستحقاقنا لتوزيع صكوك الوطنية، فعلينا أن نقبل، نحن أيضا، أن يتم تخويننا و التشكيك في نوايانا، و الطعن في ذممنا ... !!!! ...