أكد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، على أن صيانة الحقوق والحريات وضمان شروط المحاكمة العادلة تعد واجبا دستوريا يتحمله قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة على حد سواء من خلال السهر على صيانة حقوق المتقاضين، والحرص على التطبيق السليم والعادل للقانون في احترام تام لمبادئ التجرد والاستقلال وبصرف النظر عن انتماءاتهم الفئوية أو الجمعوية بما ينسجم مع المعايير المشتركة الواردة في المرجعيات الكونية التي قررتها مبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكذا مبادئ بنغالور للسلوك القضائي.
وأضاف في كلمة له بمناسبة افتتاح أشغال مؤتمر المجموعة الإفريقية للقضاة، حول موضوع : "من أجل قضاء إفريقي مستقل" خلال الفترة الممتدة من 21 إلى 24 أبريل 2025 بمدينة الدار البيضاء أن هذا اللقاء الإفريقي المتميز الذي التأم لجمعه نخبة من الشخصيات القضائية الوطنية والإفريقية المرموقة والذي يشكل من جهة لبنة متينة لتعزيز الأواصر المهنية والأخوية بين القضاة الأفارقة ومن جهة أخرى فضاء للنقاش وتبادل الآراء والتجارب حول المستجدات القانونية، والقضائية المتسارعة التي تشهدها اليوم منظومة العدالة، في أفق رفع التحديات المطروحة من أجل تطوير منظومة العدالة ببلداننا الإفريقية.
وأضاف:" هذا اللقاء الذي يتسم بدلالات عدة أهمها التقاء إخوة يجمعهم هم واحد وهو البحث عن كل مخرج يسمو بالعدالة في قارتنا الغراء إلى أسمى المراتب ويحدوهم هدف واحد هو تحقيق أكثر ما يمكن من تفاعل إيجابي وفضيل مع مرتفقي العدالة بهدف تجسيد عدالة ضامنة للحقوق والحريات بأسمى معانيها وأقصى تجلياتها ، وسعيا لتجسيد ذلك للبحث عن كل الإمكانات الميسرة لولوج العدالة وتعزيز الثقة في القضاء، انطلاقا من التحلي بالمبادئ والقيم الاخلاقية القانونية في إطار مبدأ المساواة أمام القانون".
وفيما نوه بحسن اختيار شعار هذا المؤتمر الذي هو :"من أجل قضاء إفريقي مستقل" بالنظر لما له من راهنية متجددة وما يتيحه من فرص متعددة لتطوير العدالة وتيسير ولوج المتقاضين إليها انطلاقا مما يملكه المشاركون من تجارب واسعة ومتنوعة ستثمر بلا شك توصيات واقتراحات من شأنها تطوير أساليب العمل القضائي واقتراح أفكار وتصورات كفيلة بأن تساهم في الرفع من مستوى أداء العدالة ببلادنا وبلدان أفريقيا، شدد رئيس النيابة العامة أن انعقاد المؤتمر على مستوى المجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة يعتبر تجسيدا فعليا للنهج القائم على تقوية وتضافر جهود النظم القضائية بقارتنا الإفريقية لدعم استقلال القضاء من خلال بناء جسور التعاون وانخراط كافة القضاة الذين تجمعهم المبادئ السامية للعدالة التي أقسموا على صونها والدفاع عنها والإلتزام بمبادئها النبيلة بصرف النظر عن انتماءاتهم الجمعوية، قاسمهم الجوهري في كل ذلك التحلي بالضمير المسؤول والتمسك بالقيم الأخلاقية في إطار تحقيق قواعد العدل والإنصاف، والتي تعد بدون شك مدخلا أساسيا للإحساس بالانتماء للوطن وبالأمن والطمأنينة والحماية التي تضمنها الدولة للمجتمع، فضلا عن كون تكريسها يعتبر رافعة لخلق مناخ سليم للاستثمار ورافعة لتجويد أداء العدالة ونجاعتها ضمانا للحقوق والحريات للأفراد والجماعات والمؤسسات سواء كانوا أبناء الوطن أو مقيمين فيه.
ومن هذا المنطلق تعد الجمعيات المهنية للقضاة شريكا إلى جانب المؤسسات القضائية الرسمية بالنظر لما تملكه من دور توعوي وتحسيسي وتوجيهي ومن قوة اقتراحية كفيلة بالإسهام الإيجابي في تعزيز القيم القضائية وتأطير القضاة وتقوية قدراتهم المهنية وتأطير ممارستهم لحقهم في التعبير في إطار الحفاظ على واجب التحفظ والوقار والتجرد والاستقلالية.
الحسن الداكي أبرز أيضا أنه في ظل مناخ دولي يعرف تحولات اقتصادية واجتماعية وما واكبه من تطور مهول على مستوى أنواع الجريمة لا سيما العابرة للحدود كالجريمة الإرهابية والسيبرانية والبيئية ينعقد هذا اللقاء القضائي الإفريقي المتميز، والذي يأتي أيضا في سياق الدينامية المُشرقة التي تعرفها بلادنا في مختلف المجالات تحت قيادة الملك محمد السادس، والتي تعكسها الخطوات الهامة والمكاسب الكبرى التي تم تحقيقها في مجال إصلاح منظومة العدالة لاسيما في مسار دعم استقلال السلطة القضائية منذ إقرار دستور المملكة لسنة 2011، والذي يعد أحد المرتكزات الأساسية لتعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، وفقا للرؤية الملكية التي عبر عنها الملك محمد السادس في مناسبات عديدة منها ما جاء في رسالته الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمؤتمر الدولي للعدالة المنعقد بمراكش خلال الفترة من 2 إلى 4 أبريل 2018 حيث قال الملك: "... كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات..." انتهى النطق الملكي .
وزاد قائلا:"استحضارا من رئاسة النيابة العامة بأهمية ربط أواصر التعاون والأخوة مع نظرائها بالدول الإفريقية، فقد جعلت من الديبلوماسية الموازية أحد المحاور الأساسية التي تنبني عليها استراتيجيتها في إطار التواصل مع محيطها الخارجي ولاسيما مع الأشقاء الأفارقة بالنظر لما تتوفر عليه هذه القارة من إمكانيات واعدة كفيلة بتحقيق التنمية للشعوب الإفريقية وهو ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الإفريقي بتاريخ 31 يناير 2017 حيث قال الملك "لقد اختار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة وإننا نؤكد التزامنا من أجل تحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي فنحن شعوب إفريقيا نتوفر على الوسائل وعلى العبقرية ونملك القدرة على العمل الجماعي من أجل تحقيق تطلعات شعوبنا "انتهى النطق الملكي ".