بنى سي أحمد، رفقة زميله سي محمد برادة، الدرس الأدبي الحديث في الجامعة المغربية، وكأي مؤسس عظيم كان عليه أن يبني جسورا لطلبته مع ما هو قائم في الأدب والنقد في الشرق والغرب، و يحسب له أنه كان مغربيا قحا، لم يتعامل لا بانبهار و لا بدونية، لا مع الشرق و لا مع الغرب. لقد حرص دوما على أن يبني داخل أذهان وأرواح طلبته وعيا نقديا، يُنسّب الأفكار، ويجردها من الهالة المحيطة بها، ويضعها في سياقها التاريخي والثقافي، بل يحرض على الجرأة في نقدها، ففي النهاية من أنتج تلك الفكرة رجل أو امرأة، ونحن رجال أو نساء و هم رجال أو نساء. لم يعمل سي أحمد على بناء حلقة من المريدين تسبح بحمده، وتطوف بالمباخر من حوله، و تتداعى للكتابة عنه كلما كتب سطرا واحدا. كان متعففا جدا، ومترفعا عن شهوات الشهرة والحظوة، يؤدي ما عليه، لا يلتفت لأحد، ولا ينتظر شيئا من أحد..
ينبغي أن نمتن جميعا لسي أحمد، لأنه بقي كالطود الشامخ لم يقف بباب جائزة، و لم يخرج من لجنة ليدخل أخرى، ولم يتبع ملة أي جهة لترضى عنه، ولم يُشاهد و هو يتلقى شيكًا من صاحب مال، ففي زمن صار فيه كل شيء رخيصا جدا، نأى هو بنفسه عن الكدية والوقوف الذليل أمام أبواب من يملكون نصيبا من خزائن الأرض.
سي أحمد من آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع، هو من قلة حين يدلونك على طريق يكونون قد ساروا فيه، و حين يريدونك أن تتحلى بفضيلة تراها في سلوكهم..
نكرم اليوم رجلا عظيما، حفظه الله ومتعه بدوام الصحة.