محمد أحداف: على المشرّع تعزيز حماية رجال الأمن أثناء استخدام السلاح الوظيفي ضد المجرمين

محمد أحداف: على المشرّع تعزيز حماية رجال الأمن أثناء استخدام السلاح الوظيفي ضد المجرمين محمد أحداف، أستاذ جامعي، خبير في علم الإجرام
في‭ ‬سياق‭ ‬تصاعد‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬تزايد‭ ‬حالات‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬رجال‭ ‬الأمن،‭ ‬ووسط‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬تثيره‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ولدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬قدم‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬والخبير‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإجرام‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬أحداف،‭ ‬قراءة‭ ‬تحليلية‭ ‬وواقعية‭ ‬لظاهرة‭ ‬اللجوء‭ ‬المتكرر‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عناصر‭ ‬الأمن،‭ ‬وسياقاتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والقانونية‭.‬

ووضع‭ ‬أحداف‭ ‬الأصبع‭ ‬على‭ ‬الجرح،‭ ‬متحدثًا‭ ‬بلغة‭ ‬صريحة‭ ‬عن‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال،‭ ‬وغياب‭ ‬الردع‭ ‬القانوني،‭ ‬والتساهل‭ ‬في‭ ‬تكييف‭ ‬حيازة‭ ‬الأسلحة‭ ‬البيضاء‭ ‬والتباهي‭ ‬بها،‭ ‬مقابل‭ ‬ضعف‭ ‬الإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬الذي‭ ‬يضبط‭ ‬تدخلات‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭.‬

أحذاف،‭ ‬دعا‭ ‬المشرع‭ ‬إلى‭ ‬تحيين‭ ‬القوانين،‭ ‬وتحويل‭ ‬جريمة‭ "‬عدم‭ ‬الامتثال‭" ‬من‭ ‬جنحة‭ ‬إلى‭ ‬جناية،‭ ‬وتوفير‭ ‬حصانة‭ ‬قانونية‭ ‬لرجال‭ ‬الأمن،‭ ‬محذرًا‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬تركهم‭ ‬وحدهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ميدانية‭ ‬مع‭ ‬مجرمين‭ ‬بعضهم‭ ‬مجردون‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬إحساس‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬رادع‭ ‬قانوني‭.‬
 

‬لوحظ‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تزايد‭ ‬ظاهرة‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬قوات‭ ‬الأمن،‭ ‬بشكل‭ ‬اعتبره‭ ‬البعض‭ ‬تحولًا‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإجرامية‭. ‬ما‭ ‬تفسيرك‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة؟
‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬حالات‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬أصبح‭ ‬إحدى‭ ‬الحقائق‭ ‬المثيرة‭ ‬للانتباه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدخلات‭ ‬الأمنية،‭ ‬سواء‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجريمة‭ ‬أو‭ ‬للتدخل‭ ‬بعد‭ ‬وقوعها‭ ‬بهدف‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬وإيقاف‭ ‬المشتبه‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬اعتقاله‭ ‬لإحالته‭ ‬على‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭.  ‬

وبالتالي،‭ ‬أصبح‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرة‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬أمرًا‭ ‬مألوفًا‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬العادي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يثير‭ ‬انتباه‭ ‬أحد،‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬أمراً‭ ‬شائعًا‭ ‬للغاية‭. ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬شيوع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬هو‭ ‬كثرة‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬وتوثيقها‭ ‬عبر‭ ‬كاميرات‭ ‬الهواتف‭ ‬ومشاركتها‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬في‭ ‬رأيي،‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاستعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي،‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭. ‬فحينما‭ ‬نلاحظ‭ ‬تنامي‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬في‭ ‬تدخلات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬لإنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬فإن‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬هو‭ ‬تنامي‭ ‬حالات‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭.
 
‬فلو‭ ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬الامتثال‭ ‬لأوامر‭ ‬القانون‭ ‬يمتثل‭ ‬لها‭ ‬لما‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬حالات‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭. ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬يأتي‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال،‭ ‬لأن‭ ‬الشخص‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬الامتثال‭ ‬لا‭ ‬يمتثل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يواجه‭ ‬عناصر‭ ‬الأمن‭ ‬بالأسلحة‭ ‬البيضاء‭ ‬والسيوف‭ ‬والشواقر،‭ ‬أو‭ ‬بأدوات‭ ‬أخرى‭ ‬راضة‭ ‬أو‭ ‬ثاقبة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تنامي‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬سببه‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن‭.‬
 
في‭ ‬نظرك،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن؟
قلت‭ ‬سابقًا‭ ‬إنه‭ ‬لفهم‭ ‬أو‭ ‬لتفسير‭ ‬سبب‭ ‬لجوء‭ ‬أعضاء‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬أو‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬عمومًا‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬الأسلحة‭ ‬الوظيفية،‭ ‬يجب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة؛‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬مشتبهين‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬العدوانية‭ ‬وعدم‭ ‬الامتثال،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أنهم‭ ‬يتعمدون‭ ‬الإيذاء‭ ‬البدني‭ ‬لأفراد‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬مما‭ ‬يقتضي‭ ‬استعمال‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭. ‬يمكننا‭ ‬تفسير‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال:‭ ‬أولاً،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬عدة‭ ‬عوامل:
ثقافة‭ ‬التحدي‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الجهل:‭ ‬حيث‭ ‬يفتقر‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬القانونية‭ ‬والاجتماعية‭.   ‬
تأثير‭ ‬المخدرات‭ ‬والمواد‭ ‬المهلوسة:‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬الأمور‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭. ‬
انتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن:‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬العقوبات‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬الردع‭. ‬
عدم‭ ‬الاعتداد‭ ‬بالقانون:‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬ثقافة‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬الأساس‭. ‬
الرغبة‭ ‬في‭ ‬التفاخر‭ ‬بين‭ ‬الأقران:‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭. ‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاع‭ ‬تنامي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال،‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي،‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬العقوبة‭ ‬المخصصة‭ ‬لعدم‭ ‬الامتثال‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المقارنة،‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تعتبر‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬جناية‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬بالأسلحة‭ ‬البيضاء‭ ‬أو‭ ‬السيوف‭ ‬ببضعة‭ ‬أشهر‭ ‬حبس‭ ‬نافذ،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أقل‭.  ‬

لذلك،‭ ‬يجب‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التكييف‭ ‬القانوني‭ ‬لجريمة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬واعتبارها‭ ‬جناية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬جنحة،‭ ‬مع‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭ ‬المترتبة‭ ‬عن‭ ‬الفعل‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭.  ‬

من‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬ملفات‭ ‬المشتبه‭ ‬فيهم‭ ‬والأشخاص‭ ‬المدانين‭ ‬الذين‭ ‬واجهوا‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬غالبيتهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬"حثالة‭ ‬المجتمع"؛‭ ‬مدمنو‭ ‬مخدرات‭ ‬وحبوب‭ ‬الهلوسة،‭ ‬وأصحاب‭ ‬سجلات‭ ‬قضائية‭ ‬مليئة‭ ‬بالسوابق‭. ‬السجن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬مكان‭ ‬مألوف،‭ ‬ولا‭ ‬يرهبونه‭ ‬إطلاقًا‭. ‬هؤلاء‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬عمل‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬عائلة،‭ ‬ولا‭ ‬مستقبل،‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬وهم‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإجرام‭ ‬"قطع‭ ‬غيار‭ ‬المتلاشيات"،‭ ‬أي‭ ‬أشخاص‭ ‬لفظتهم‭ ‬الآلة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬العينات‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تتسلح‭ ‬بثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬والمواجهة،‭ ‬هي‭ ‬عينة‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬إصلاحها‭ ‬ولا‭ ‬يرجى‭ ‬منها‭ ‬خير‭. ‬العقوبات‭ ‬السالبة‭ ‬للحرية‭ ‬لن‭ ‬تعيد‭ ‬تأهيل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬لأنهم‭ ‬لفظتهم‭ ‬الآلة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ويجب‭ ‬علينا‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬بالصرامة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لحماية‭ ‬السلامة‭ ‬البدنية‭ ‬لأفراد‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭.‬
 
‬يُلاحظ‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬العمومية‭ ‬"الدرك‭ ‬والشرطة"‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬منذ‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬إذ‭ ‬تتعامل‭ ‬بليونة‭ ‬مع‭ ‬المجرمين‭ ‬الذين‭ ‬يهددون‭ ‬الأمن‭ ‬العام،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬يستعمل‭ ‬رجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬السلاح‭ ‬بحزم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬ذلك‭ ‬حساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬لماذا،‭ ‬في‭ ‬رأيك،‭ ‬تتعامل‭ ‬العناصر‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بليونة‭ ‬مع‭ ‬"المشرملين"؟
صحيح‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعتنا‭ ‬لتدخلات‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬نلاحظ‭ ‬وجود‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التردد،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يُفسر‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ليونة‭ ‬أو‭ ‬انعدام‭ ‬صرامة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يمتثلون‭ ‬لأوامر‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭. ‬هذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬يشاطرني‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يشاهد‭ ‬مقاطع‭ ‬تدخلات‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬والتي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تنتهي‭ ‬بعدم‭ ‬امتثال‭ ‬المطلوب‭ ‬للعدالة‭. ‬شخصيًا،‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الليونة‭. ‬وقد‭ ‬قيل‭ ‬شرعًا:‭ ‬«ما‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬الواجب‭ ‬إلا‭ ‬به‭ ‬فهو‭ ‬واجب»‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬يصبح‭ ‬أمرًا‭ ‬مشروعًا‭.  ‬

ربما‭ ‬يعود‭ ‬تأخر‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬الدوائر‭ ‬العليا‭ ‬أو‭ ‬انتظار‭ ‬التعليمات،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬التأخير‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أفكار‭ ‬خاطئة‭ ‬لدى‭ ‬المواطن،‭ ‬مثل‭ ‬اعتقاده‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬عاجزة‭ ‬أو‭ ‬خائفة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬محمية‭ ‬قانونيًا‭.  ‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬كما‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬تجربتي‭ ‬الشخصية‭ ‬هناك،‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬يعرف‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬يعتبر‭ ‬جناية‭ ‬عقوبتها‭ ‬مشددة‭ ‬للغاية،‭ ‬وأنه‭ ‬سيتم‭ ‬مواجهته‭ ‬بصرامة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬تردد‭. ‬هي‭ ‬معادلة‭ ‬بسيطة:‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يسود‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬تسود‭ ‬ثقافة‭ ‬المجرم‭. ‬وأجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬موجودة‭ ‬لضمان‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ساد‭ ‬القانون‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬«ليونة‭ ‬تعامل‭ ‬عناصر‭ ‬الأمن‭ ‬مع‭ ‬المشرملين»‭ ‬هو‭ ‬حقيقة‭ ‬بادية‭ ‬للعيان‭. ‬أما‭ ‬الخلل‭ ‬فيكمن‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬التراتبية‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن،‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬القانون،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.  ‬

وأرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية،‭ ‬يجب‭ ‬منح‭ ‬حصانة‭ ‬قانونية‭ ‬لأعضاء‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يُساءلون‭ ‬قانونيًا‭ ‬أو‭ ‬إداريًا‭ ‬أو‭ ‬تأديبيًا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أفعال‭ ‬يقومون‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬تدخلاتهم‭ ‬الأمنية،‭ ‬وذلك‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬والمجتمع‭ ‬والممتلكات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬وضمان‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭. ‬أنا‭ ‬شخصيًا‭ ‬أرفض‭ ‬تمامًا‭ ‬مساءلة‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬عن‭ ‬أفعالهم‭ ‬أثناء‭ ‬تدخلاتهم،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيمنح‭ ‬سببًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬للناس‭ ‬للتمرد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن،‭ ‬ولن‭ ‬يخدم‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬ضمان‭ ‬إنفاذ‭ ‬أحكامه‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬
 
‬ما‭ ‬هي‭ ‬اقتراحاتك‭ ‬للمشرع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬تنظيم‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬لردع‭ ‬المجرمين،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬الحماية‭ ‬التامة‭ ‬لرجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون؟
‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬بخصوص‭ ‬تلكؤ‭ ‬أو‭ ‬ليونة‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬الوظيفي‭ ‬أثناء‭ ‬التدخل،‭ ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬رغم‭ ‬خطورة‭ ‬الموقف‭ ‬كما‭ ‬شاهدنا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬خلال‭ ‬تدخل‭ ‬رجال‭ ‬الدرك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة،‭ ‬وتدخل‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬مدينة‭ ‬أكادير،‭ ‬والتي‭ ‬ترتب‭ ‬عنها‭ ‬إصابة‭ ‬رجال‭ ‬أمن‭ ‬بجروح‭ ‬بليغة‭... 

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المشرع‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬أي‭ ‬تأخير‭ ‬بالنظر‭ ‬لكثرة‭ ‬التدخلات‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وتنامي‭ ‬وتفشي‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬والتباهي‭ ‬بمواجهة‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المشتبه‭ ‬فيهم‭ ‬غالبًا‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تخدير‭ ‬متقدمة،‭ ‬مما‭ ‬يفقدهم‭ ‬الوعي‭ ‬لتقدير‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬يقدمون‭ ‬عليه‭.  ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬وغيرها‭ ‬تجعلني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬المشرع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬لتحيين‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬لهذه‭ ‬التدخلات‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬يجب‭ ‬تغيير‭ ‬التكييف‭ ‬القانوني‭ ‬لجريمة‭ ‬«عدم‭ ‬الامتثال»‭ ‬من‭ ‬جنحة‭ ‬إلى‭ ‬جناية،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة‭ ‬منح‭ ‬الحصانة‭ ‬القانونية‭ ‬والإدارية‭ ‬لأجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬أثناء‭ ‬تدخلاتهم‭ ‬الأمنية‭.  ‬

من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يُساءل‭ ‬رجل‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬تأديبياً‭ ‬أو‭ ‬إدارياً‭ ‬أو‭ ‬جنائياً‭ ‬بسبب‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬أثناء‭ ‬تدخله‭ ‬لضمان‭ ‬السلامة‭ ‬البدنية‭ ‬للمواطنين‭ ‬وحماية‭ ‬ممتلكاتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬وضمان‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬محاسبته،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬«طلع‭ ‬تاكل‭ ‬الكرموس،‭ ‬هبط‭ ‬شكون‭ ‬اللي‭ ‬قالها‭ ‬ليك»‭.‬

اقتراحاتي‭ ‬للمشرع‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬التدخل‭ ‬العاجل‭ ‬لإعداد‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬جديد‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بالحزم‭ ‬والصرامة‭ ‬المطلوبة‭. ‬

أولاً:‭ ‬تحديث‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬للتدخلات‭ ‬الأمنية‭. ‬
ثانياً:‭ ‬تغيير‭ ‬التكييف‭ ‬القانوني‭ ‬لجريمة‭ ‬«عدم‭ ‬الامتثال»‭ ‬وجعلها‭ ‬جناية‭ ‬وتشديد‭ ‬عقوبتها‭ ‬إلى‭ ‬20-30‭ ‬سنة‭ ‬سجناً‭ ‬نافذاً‭. ‬
ثالثاً:‭ ‬منح‭ ‬أعضاء‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬الحصانة‭ ‬القانونية‭ ‬والقضائية‭ ‬والإدارية‭ ‬والتأديبية‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬ترتكب‭ ‬أثناء‭ ‬تدخلاتهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يتدخلون‭ ‬لمصالح‭ ‬شخصية،‭ ‬بل‭ ‬يغامرون‭ ‬بحياتهم‭ ‬وسلامتهم‭ ‬البدنية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬المواطنين‭ ‬وممتلكاتهم‭.‬
 
كيف‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أصبح‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬"المشرملين"‭ ‬والمجرمين‭ ‬يتفاخرون‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بحمل‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬واستعراض‭ ‬مختلف‭ ‬الأحجام‭ ‬من‭ ‬السيوف؟‭ ‬ما‭ ‬قراءتك‭ ‬لهذا‭ ‬السلوك؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬اتخاذها؟
‬قراءتي‭ ‬للموضوع‭ ‬بسيطة‭ ‬وسهلة‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أبديتها‭ ‬لوزراء‭ ‬العدل‭ ‬السابقين‭ ‬وبسطتها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العلمية‭. ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬-‭ ‬كأشخاص‭ ‬يحملون‭ ‬سيوفاً‭ ‬طولها‭ ‬متر‭ ‬أو‭ ‬متر‭ ‬ونصف‭ ‬أو‭ ‬مترين،‭ ‬مما‭ ‬يذكرنا‭ ‬بحروب‭ ‬المغول‭ ‬-‭ ‬مجرد‭ ‬جنحة‭. ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬قلت‭ ‬وطالبت‭ ‬بأن‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬فعله‭ ‬لردع‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التكييف‭ ‬القانوني‭ ‬لحيازة‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬وجعلها‭ ‬جناية‭ ‬تعاقب‭ ‬بعقوبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و30 سنة‭ ‬سجناً‭ ‬نافذاً‭. ‬كيف‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى؟‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬لأن‭ ‬القانون‭ ‬يقدم‭ ‬خدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يروعون‭ ‬الناس‭ ‬بخناجر‭ ‬وشواقير‭ ‬وسيوف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يعاقبون‭ ‬بشهر‭ ‬أو‭ ‬شهرين،‭ ‬وأحياناً‭ ‬بشهر‭ ‬أو‭ ‬شهرين‭ ‬موقوفة‭ ‬التنفيذ‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬نفسه‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬تفشي‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭. ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬علم‭ ‬الإجرام‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أسباب‭ ‬تفشي‭ ‬الجريمة‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬فاعلية‭ ‬القاعدة‭ ‬القانونية‭. ‬عدم‭ ‬فاعلية‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬أمر‭ ‬ثابت‭. ‬نجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عجز‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬بصرامة‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬حيازة‭ ‬الأسلحة‭ ‬أو‭ ‬التباهي‭ ‬بها‭ ‬واعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬جنحة،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عقوبات‭ ‬مثل‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬الحبس‭ ‬أو‭ ‬غرامة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الردع‭ ‬القانوني‭ ‬غائباً‭.  ‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الحالي‭ ‬متجاوز،‭ ‬وأن‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬وراء‭ ‬تمرير‭ ‬المادة‭ ‬303‭ ‬مكرر‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬بتوصيف‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬جنحة‭ ‬قدمت‭ ‬خدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة،‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬يتمادون‭ ‬في‭ ‬ترويع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. 

انتشار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يلحق‭ ‬أكبر‭ ‬الأضرار‭ ‬بالقطاع‭ ‬السياحي‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭. ‬كيف‭ ‬يمكننا،‭ ‬ونحن‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬حاسمة‭ ‬مثل‭ ‬كأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬وكأس‭ ‬العالم،‭ ‬ونحن‭ ‬نستقبل‭ ‬حوالي‭ ‬17‭ ‬مليون‭ ‬سائح‭ ‬ونتطلع‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬مليوناً،‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬يجوب‭ ‬فيها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬بسيوف‭ ‬وشواقير‭ ‬وأسلحة‭ ‬بيضاء‭ ‬ضخمة؟‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬ضمان‭ ‬أبسط‭ ‬شروط‭ ‬انتعاش‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭. ‬اقتراحاتي‭ ‬واضحة:‭ ‬تغيير‭ ‬التكييف‭ ‬القانوني‭ ‬لجريمة‭ ‬حيازة‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬وجعلها‭ ‬جناية،‭ ‬وجعل‭ ‬عقوبتها‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و30 سنة‭ ‬سجناً‭ ‬نافذاً،‭ ‬وضمان‭ ‬تغطية‭ ‬إعلامية‭ ‬واسعة‭ ‬لتصل‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬المواطنين‭ ‬بأن‭ ‬مجرد‭ ‬الحيازة‭ ‬ستعرضك‭ ‬لعقوبة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭.‬
 
‬أصبح‭ ‬رجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬وحدهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬المجرمين،‭ ‬بينما‭ ‬تخلّت‭ ‬باقي‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تأطيره،‭ ‬خاصة‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجمعيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التربوية‭. ‬ما‭ ‬تعليقك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع؟
صحيح‭ ‬أن‭ ‬رجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬أصبحوا‭ ‬بمفردهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المجرمين‭. ‬أنا‭ ‬شخصياً،‭ ‬منذ‭ ‬أسبوع،‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬نقاشنا‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬أشعر‭ ‬بالذنب‭ ‬لأنني‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬تركنا‭ ‬رجال‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬بمفردهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المجرمين‭. ‬حتى‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬عند‭ ‬مراجعة‭ ‬التعليقات‭ ‬أو‭ ‬التعاليق‭ ‬الصوتية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأشرطة‭ ‬معارك‭ ‬أجهزة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬خلال‭ ‬تدخلاتهم،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬يقف‭ ‬مع‭ ‬المجرمين‭ ‬والمشرملين‭.  ‬

أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬عديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أنجبنا‭ ‬فيه‭ ‬مواطنين‭ ‬لا‭ ‬يقفون‭ ‬ولا‭ ‬يقدمون‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬لرجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬أثناء‭ ‬تدخلاتهم،‭ ‬بل‭ ‬أصبحوا‭ ‬عامل‭ ‬عرقلة؟‭ ‬إما‭ ‬أنهم‭ ‬يعرقلون‭ ‬التدخلات‭ ‬مباشرة،‭ ‬فيتجمهرون‭ ‬ويعرقلون‭ ‬عمل‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬ويعرضون‭ ‬أنفسهم‭ ‬لمخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بالرصاص،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬عرقلة‭ ‬لسلاسة‭ ‬تدخلات‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭. ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقدمون‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اقتضت‭ ‬الحاجة‭ ‬ذلك،‭ ‬خلافاً‭ ‬لما‭ ‬نشاهده‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.  ‬

حقيقة،‭ ‬أشعر‭ ‬بالذنب‭ ‬وتأنيب‭ ‬الضمير‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نقوم‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬لمؤازرة‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬مواجهتهم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المجرمين‭. ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬أصواتنا‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬بأنه‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬التدخل‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة:‭ ‬إعلامياً،‭ ‬قانونياً،‭ ‬قضائياً،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لدعم‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬وذويهم‭ ‬وعائلاتهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬يومية‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬طبيعة‭ ‬عواقبها‭.  ‬

أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حشد‭ ‬للأحزاب‭ ‬والجمعيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬للقيام‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬لمساعدة‭ ‬رجال‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬وعدم‭ ‬تركهم‭ ‬بمفردهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬المجرمين‭.‬
 
ما هي اقتراحاتك لإشاعة الإحساس بالأمن داخل المجتمع؟
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الاقتراحات‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬لآخر،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الجريمة‭ ‬وعلم‭ ‬الإجرام‭ ‬«بحثاً،‭ ‬كتابةً،‭ ‬وتدريساً»،‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مداخل‭ ‬متعددة‭ ‬لإشاعة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمن‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭. ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بالأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والأحزاب‭ ‬والجمعيات،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬ممثلو‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬مسؤوليتهم‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مشرعين‭ ‬وضعوا‭ ‬القوانين،‭ ‬وعَدّلوها،‭ ‬وألغوها‭ ‬إذا‭ ‬تبين‭ ‬عدم‭ ‬فاعليتها‭. 

يجب‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬للجريمة‭ ‬وأساليب‭ ‬الوقاية‭ ‬منها‭ ‬ومكافحتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬العقابي‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الجرائم‭. ‬يجب‭ ‬تخفيف‭ ‬بعض‭ ‬العقوبات‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تعامل‭ ‬بصرامة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يجب،‭ ‬وتشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬بالصرامة‭ ‬المطلوبة‭ ‬على‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬الآن‭ ‬بصرامة‭ ‬أقل،‭ ‬مثل‭ ‬عدم‭ ‬الامتثال‭ ‬وحيازة‭ ‬الأسلحة‭ ‬البيضاء‭.  ‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المداخل‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نشتغل‭ ‬عليها‭ ‬لإشاعة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمن‭ ‬هي‭ ‬مداخل‭ ‬متعددة،‭ ‬تشمل‭ ‬الجميع:‭ ‬الأحزاب،‭ ‬البرلمان،‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والمحلية‭ ‬والقروية،‭ ‬وكذلك‭ ‬المثقفين،‭ ‬الجامعات،‭ ‬المدارس،‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وكل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭.‬