مريم زينون: قراءة في "التشرميل".. الانحراف المهيكل ذو جاهزية سيكولوجية قابلة لامتصاص مقومات الانفصام الاجتماعي

مريم زينون: قراءة في "التشرميل".. الانحراف المهيكل ذو جاهزية سيكولوجية قابلة لامتصاص مقومات الانفصام الاجتماعي مريم زينون
أيا‭ ‬كانت‭ ‬القراءة‭ ‬التي‭ ‬يعطيها‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لظاهرة‭ ‬الٍانحراف‭ ‬المجتمعي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬“بالتشرميل”‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشباب‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬‮ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬بنوعية‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬يتلقاه‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬العامة‭ ‬بالمدرسة‭ ‬العمومية،‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬ثمة‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تكسر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬المغربية،‭ ‬وأيا‭ ‬كانت‭ ‬الدواعي‭ ‬والأسباب‭ ‬وراء‭ ‬اٍفراز‭ ‬جميع‭ ‬ظواهر‭ ‬الاٍنحراف‭ ‬الشاذة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬شذوذ،‭ ‬إرهاب‭ ‬وتشرميل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حصرها‭ ‬اٍلا‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬السوسيو-‭ ‬سياسي،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬اٍذا‭ ‬كانت‭ ‬أسباب‭ ‬التدني‭ ‬الأخلاقي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬تعزى‭ ‬كلها‭ ‬اٍلى‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬فإنما‭ ‬ترجع‭ ‬في‭ ‬أصلها‭ ‬اٍلى‭ ‬الاٍنطباعات‭ ‬الحسية‭ ‬الجماعية‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬التعليم‭ ‬أصل‭ ‬الأخلاق‭ ‬ومرجعتيها‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬تنصيبه‭ ‬حكما‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬الأخلاق‭ ‬وخلق‭ ‬التماسك‭ ‬بينها‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬باعتباره‭ ‬معيار‭ ‬الرقي‭ ‬والتخلف‭ ‬ويصنع‭ ‬الهوية‭ ‬الحضارية‭ ‬للدولة‭. ‬لذا‭ ‬تعلّق‭ ‬جميع‭ ‬مخاطر‭ ‬انهيار‭ ‬السلوك‭ ‬الٍاجتماعي‭ ‬على‭ ‬مشجب‭ ‬التعليم‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المعلم‭ ‬فيظهر‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الٍاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬المعلم‭ ‬كطرف‭ ‬مركزي‭ ‬يمثل‭ ‬واجهة‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬والمجتمع‭ ‬كضمير‭ ‬جمعي‭ ‬مهدد‭ ‬في‭ ‬هويته‭. ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬الحتمية‭ ‬التي‭ ‬وجب‭ ‬الاٍقرار‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬بسبب‭ ‬المعوقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاٍقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬والمحتجبة‭ ‬وراء‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬وأخطاء‭ ‬نساءها‭ ‬ورجالاتها‭ ‬بأسلوب‭ ‬متحرر‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬الذاتية‭ ‬لباقي‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تجاور‭ ‬أو‭ ‬تشترك‭ ‬دستوريا‭ ‬مع‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المأمورية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬دون‭ ‬تعارض‭ ‬في‭ ‬الأدوار‭. ‬وأيضا‭ ‬باستعمال‭ ‬أسلوب‭ ‬المغالطة‭ ‬لإيهام‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬بالتصور‭ ‬السطحي‭ ‬أن‭ ‬فساد‭ ‬أخلاق‭ ‬المجتمع‭ ‬وراءه‭ ‬فساد‭ ‬الضمير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لنساء‭ ‬ورجال‭ ‬التعليم‭. ‬حجج‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أشد‭ ‬استفزازا‭ ‬لأسرة‭ ‬التعليم‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتنازل‭ ‬أطرها‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬معلنة‭ ‬انسحابها‭ ‬القسري‭ ‬صونا‭ ‬لكرامة‭ ‬المربي‭ ‬والمعلم،‭ ‬وهربا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الاٍتهامات‭ ‬والاٍنتقادات‭ ‬وما‭ ‬خلفته‭ ‬في‭ ‬النفوس‭. ‬وهنا‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭ ‬،اٍذا‭ ‬كان‭ ‬رجل‭ ‬التعليم‭ ‬وراء‭ ‬تدني‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬فلماذا‭ ‬يغادرها‭ ‬قصرا‭ ‬لا‭ ‬طوعا‭ ‬بعدما‭ ‬أصبح‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتصور‭ ‬يوما‭ ‬الٍانفصال‭ ‬عنها‭ ‬؟‭ ‬أكيد‭ ‬أن‭ ‬المشكل‭ ‬أقوى‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬تصادم‭ ‬بين‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬ومحيطها‭ ‬،أو‭ ‬فشل‭ ‬للمنظومة‭ ‬رغم‭ ‬اٍصلاحاتها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حربا‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬المعلم‭ ‬ومجتمعه‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بكل‭ ‬مرارة‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والاٍسلام‭ ‬،‭ ‬نعم‭ ‬،‭ ‬حرب‭ ‬لن‭ ‬تقاوم‭ ‬بأندية‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬المواطنة‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬ولا‭ ‬بحملات‭ ‬مناهضة‭ ‬العنف‭ ‬داخل‭ ‬الأوساط‮ ‬‭ ‬المدرسية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بمسابقات‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭. ‬و‭ ‬لسوء‭ ‬حظ‭ ‬رجل‭ ‬التعليم‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬بدأ‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬العامة‭ ‬بسبب‭ ‬العبث‭ ‬السياسي‭ ‬وغياب‭ ‬الٍاهتمام‭ ‬الحقيقي‭ ‬بالشعب،‭ ‬فزاد‭ ‬الكيل‭ ‬في‭ ‬تحميله‭ ‬أوزار‭ ‬ما‭ ‬أفسدته‭ ‬السياسة‭ ‬ليلبس‭ ‬ثوب‭ ‬الزهد‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مهنته‭ ‬ويصوم‭ ‬عن‭ ‬الاٍبداع‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ... ‬تاركا‭ ‬فسحة‭ ‬الغزو‭ ‬الغربي‭ ‬للإعلام‭ ‬الاٍلكتروني‭ ‬العاهر‭ ‬بثّ‭ ‬سمومه‭ ‬ونشر‭ ‬فساده‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬شباب‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭.‬
‮ ‬
فحينما‭ ‬ينزع‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬تقليد‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تصديره‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬سموم‭ ‬فكرية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬شروط‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬لوجود‭ ‬بيئة‭ ‬الانحراف‭ ‬المهيكل،‭ ‬يصبح‭ ‬ذو‭ ‬جاهزية‭ ‬سيكولوجية‭ ‬قابلة‭ ‬لامتصاص‭ ‬جميع‭ ‬مقومات‭ ‬الانفصام‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولا‭ ‬يؤمن‭ ‬إلا‭ ‬بالفردانية‭ ‬والتمركز‭ ‬حول‭ ‬الذات‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬مسلوب‭ ‬الإرادة‭ ‬الذاتية‭ ‬اتجاه‭ ‬غريزة‭ ‬الأنانية‭ ‬المسيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬فيترجم‭ ‬كل‭ ‬الإشارات‭ ‬والخطابات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬خارج‭ ‬الذات‭ ‬بالتنمر‭ ‬أو‭ ‬التحقير‭ ‬لذاته‭ ‬فيستبطنها‭ ‬كعدوان‭ ‬خارجي‭ ‬وعنف‭ ‬ممنهج‭ ‬اتجاهه،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يتبنى‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬مضادة‭ ‬أو‭ ‬استباقية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسات‭ ‬حكومية‭ ‬مغلقة‭ ‬“إدارات‭ ‬عمومية،‭ ‬مؤسسات‭ ‬تعليمية‭..‬“‭ ‬أو‭ ‬مفتوحة‭ ‬مثل‭ ‬الشارع‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬غالبا‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المنحرف‭ ‬مسرحا‭ ‬لاستعراض‭ ‬قدراته‭ ‬الذاتية‭ ‬لأجل‭ ‬حماية‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬“العنف‭ ‬والعنف‭ ‬المضاد“‭.‬
‮ ‬
المنحرف‭ ‬عدوانيا‭ ‬أو‭ ‬الملقب‭ ‬بـ‭ ‬“المشرمل“‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬نزوع‭ ‬مرضي‭ ‬حول‭ ‬الانتقام‭ ‬للذات‭ ‬وتصفية‭ ‬حساباته‭ ‬مع‭ ‬المعتدي‭ ‬عليه‭ ‬-‭ ‬حسب‭ ‬تصوره‭ ‬الوجداني‭ ‬-‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬معتدى‭ ‬عليه،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬التمثل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬رمزا‭ ‬للسلطة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العليا‭ ‬“رجل‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم-‭ ‬رجل‭ ‬السلطة‭..‬“‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬رمزية‭ ‬سلطة‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬في‭ ‬الهرم‭ ‬العائلي،‭ ‬أو‭ ‬يمثل‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬صورة‭ ‬المتنمر‭ ‬أو‭ ‬المغتصب‭ ‬أو‭ ‬معنف‭ ‬حسب‭ ‬طبيع‭ ‬بيئة‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسيكولوجية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لنمو‭ ‬الشخصية‭ ‬المرضية‭ ‬المضطربة‭ ‬نفسيا‭ ‬وسلوكيا‭... ‬‮  ‬