كفى من التستر على الظاهرة الفلسطينية، التي صارت لها رائحة كريهة تزكم الأنوف منذ عقود، بينما نحن جميعا، أقصد العرب من شرق الوطن العربي إلى تخومنا المطلة على المتوسط والأطلسي، نجتهد ونتنافس، كلٌّ بطريقته وحسب استطاعته، لإخفاء ما يمكن إخفاؤه من ذلك الوجه القبيح والمشوّه الذي لم يعد قادراً على مداراة قبحه فصار عاريا يعرض عاهاته أمام الملأ!!
ما فعله فلسطينيو فرنسا وأوروبا قبل يومين أو ثلاثة، لا يمت لأي خصلة أو لأي مذهب أو عقيدة أو نمط فكري بأي صلة!!
ما فعلوه ليس سوى استعراض للعُري، وللعاهات الجسدية والسلوكية، كما كان يفعل ضحايا "هيروشيما" و"ناكازاكي"، أو ضحايا حرب الفييتنام، الذين لم يكن قد بقي أمامهم للاسترزاق غير عاهاتهم يُفرِدونها أمام الملأ طمعاً في شيء من الفُتات، مع شيء من القروش والمليمات المنتمية لمختلف السكّات النقدية، مما كان يلقيه المارة إليهم دون حتى النظر إلى عاهاتهم، التي أصبح عرضها مثاراً للقرف والاشمئزاز والاستهجان!!
هكذا بدا الفلسطينيون المتظاهرون والذين تجمّعوا في إحدى ساحات بلد "الحرية والمساواة والإخاء"، وهم يهينون صورة جلالة الملك محمد السادس، بنوع من الوقاحة والخسة ليس له مثيل إلا في بلد جيران السوء الشرقيين، الذين يغلب الظن أنهم، بالذات، هم الذين يقفون وراء ذلك المشهد المُقَزِّز والمقرف، والذي يجعل كل مغربي غيور على وطنه وعلى ثوابت وطنه يبدأ بلا أدنى مقدمات في مراجعة نظرته لتلك القضية، التي يبدو أن أصحابها باعوها بأرخص الأثمان، وينتظرون منا، نحن الكائنون في أقصى غرب الوطن البائس، أقصد الوطن العربي كافة، أن نهرق دماءنا بكل اريحية دفاعاً عنها، وأن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، والله يشهد أننا كنا فعلاً كذلك، قبل انعتاقنا من الحماية الفرنسية وعلى مدار العقود السبعة التي تلت الاستقلال... وما زلنا نفعل!!
أعلم علم اليقين، بالمعاينة والملامسة المباشرة، ان الفلسطينيين المقيمين خارج الأراضي الفلسطينية، المحررة والمحتلة على السواء، منهم من نسي قضيته وانخرط كُلياً في شؤون البلد المضيف، ومنهم من يمارس الاتجار في العملة، وفي الأوراق والهُوِيّات المزورة، وفي الأحجار الكريمة والألماظ والذهب والفضة، ومنهم مَن انتظم في جماعات مشبوهة تمارس الاتجار في مختلف أنواع المخدرات، وفي البشر، ومنهم مَن فتح في العوالم الافتراضية مكاتب لبيع أي شيء، وحتى لاشيء، ومن أبرز ما يبيعه هؤلاء المواقفَ الجاهزة والمُعَدّة لنُصرة مَن يدفع أكثر، ومن هنا بالذات جاء احتمال أن تكون مخابرات عبلة هي التي دفعت بسَفَهِها المعتاد لأولئك المرتزقة!!
كل هذا الخَبَل السلوكي والأخلاقي، يُضاف إلى كون معظمهم يفتخر بارتزاقه السياسي والإديولوجي، رغم موات الإيديولوجيا، كما هو الآن، بالذات، شأن تلك الشرذمة التي تجمّعت في إحدى ساحات العاصمة الفرنسية لتتفنن في الإساءة إلى صورة ملك أعطى للفلسطيين أكثر مما قدمته كل قياداتهم بلا أدنى استثناء، بما فيها زعماء حماس والقسام وحزب الشيطان والنصرة ومنظمة فتح بقدها وقديدها، والتي يعلم العالم ما تردى إليه رئيسها وأبناؤه من المآلات سيّئة الذكر، إذ نجد الوالد يجمع الشيكات من عند رؤساء البلدان المانحة من أجل سواد عيون الفلسطينيين، ثم يقفل راجعا بها إلى بيت صديقه الحميم وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي يعمد إلى اقتطاع حصته وحصة خزينة بلده قبل أن يترك لرئيس السلطة الفلسطينية الفُتات، كما في كل مرة... أما الإبن فقد اشتهر بالمتاجرة في الممنوعات من مختلِف الأشكال والأنواع والمصادر والمنابع... وكما يقول المثل العربي الشعري الشهير: "إذا كان رب البيت للدف ضاربا... فشيمة أهل بيته الرقصُ"!!
وبهذا تحول أهل البيت الفلسطيني على مدار العقود التي عاشتها القضية الفلسطينية في أبهاء المنظمات والهيئات الدولية الرسمية، والمؤسسات العالمية المدنية، إلى ما ذكرتُه أعلاه من أشكال وضيعة من السلوك والمعاملة!!
نهايته... أعتقد أن الكيل قد طفح، وأن السيل قد بلغ الزُّبى، وأننا صرنا مقتنعين، الآن وأكثر من أي وقت مضى، بعد ما أصابنا به هؤلاء المرتزقة من إهانة لا نستحقها بأي معيار من المعايير، بأن علينا بجدّ، أن نعيد النظر في تصوّرنا للدور الذي علينا كمغاربة أحرار، وكأسود بالفعل، أن نؤديه في نصرة تلك القضية، التي لم أعد شخصيا أعتبرها قضيتنا الأولى سواسيةً مع قضية وحدتنا الترابية، كما كنا نعتقد ونفعل، وإنما علينا من الآن فصاعداً أن نردد بالفم المليان ذلك الشعار الذي كنا لا نستمرئه قبل ذلك الذي وقع في إحدى ساحات باريس، والذي أعتبره شخصيا إهانة لا تُغتفَر... أقول إنّ علينا من الآن فصاعداً أن نصدح بالفم المليان بشعار: "تازة قبل غزة"... بل لِيكُنْ ذلك الشعار بكل صراحة: "تازة وليس غزة"!!
سيقول البعض إنني أكتب هذا بدافع الغضب الشديد إزاء ذلك الذي فعله فلسطينيو باريس، وسيكون ردّي هو التأكيد على صحة هذا القول، مع لفت الانتباه إلى أن الوقت قد حان فعلاً لكي نغضب نحن أيضاً، ونعامل غيرنا بالمثل نحن أيضاً، بل أن نرد الصاع صاعين وأكثر، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، مادام هؤلاء وغيرهم وعلى رأسهم جيران السوء، يفسرون هدوءَنا بالجُبن، وحِكمتَنا بقلة الحيلة، وتَبَصُّرَنا بالضعف والهوان، حتى أن أذلّتهم صاروا يتعرضون لكرامتنا، نحن المغاربة (وما أدراهم ما المغاربة) في الساحات والشوارع العمومية لبلدان المهجر!!
كفى إذن من التساهل مع أذناب لم يعودوا يستحقون سوى البتر... ورُبّ حيوان بلا ذَنَبٍ أفضل من حيوان يفعل بذَنَبه الأفاعيل... وذاك بالذات، هو حال فلسطينيي فرنسا وما جاورها!!