وضعت الأمم المتحدة، في شخص المبعوث الشخصي ستيفان دي ميستورا، في الإحاطة نصف السنوية التي قدمها يوم الإثنين (14 أبريل 2025)، إلى مجلس الأمن، النظام الجزائري وانفصاليي البوليساريو الخاضعين لأوامره، أمام مسؤولية الانخراط في المرحلة المقبلة، في دينامية البحث عن حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء، في إطار مبادرة الحكم الذاتي فقط، وأنه لا يمكن الحديث عن أية مقاربة أخرى يتم ترويجها لأي حل مزعوم.
إقبار مخطط التسوية ومقترح التقسيم
ولم يتطرق المبعوث الأممي في هذه الإحاطة لمخطط التسوية لسنة 1990، الذي تم إقباره منذ ربع قرن من الأمم المتحدة نفسها ولا يزال النظام الجزائري يحاول عبثا رفع التراب عنه، لمواصلة سياسته المعادية لوحدة المغرب الترابية.
كما تلافى في إحاطته أن يعرض مجددا مقترح تقسيم الصحراء، الذي سبق له أن طرحه في أكتوبر الماضي، مدعيا أن: "التقسيم يمكن أن يسمح بإنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي من ناحية، ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب، مع الاعتراف الدولي بسيادته عليه"، علما أن ذلك المقترح يخدم هدف الجزائر في محاصرة المغرب وحرمانه من امتداده الإفريقي وإيجاد منفذ لها على المحيط الأطلسي.
وسعيا إلى توجيه الأنظار على أهمية التركيز فقط على خيار الحكم الذاتي، تطرق دي ميستورا إلى حدثين في الآونة الأخيرة يرى أنه يمكن أن تكون لهما انعكاسات مهمة على الجهود الهادفة إلى نزع التوترات في المنطقة وتسهيل إيجاد مخرج متفق عليه للنزاع المفتعل حول الصحراء، هما استقبال السلطات العليا في الجزائر(أي الرئيس تبون ووزير الخارجية عطاف) وزير خارجية فرنسا، بعد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء وتجديد تأكيد الإدارة الأمريكية في اجتماع وزير الخارجية ماركو روبيو ونظيره المغربي ناصر بوريطة، دعمها الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
الموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء
ونسجل في هذه الشأن أن السيد دي ميستورا لم ينقل في إحاطته بدقة إلى مجلس الأمن حقيقة الموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء ، بإنتقائه فقرتين من البلاغ الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية عن اجتماع الوزيرين روبيو وبوريطة وإخراجهما عن سياقهما،بإيراده "تأكيد كاتب الدولة روبيو إيمان حكومته بحكم ذاتي حقيقي" و"إلحاح الرئيس ترامب على حل مقبول من الأطراف"، بينما جدد البلاغ الأمريكي تأكيد الاعتراف بالسيادة المغربية في الصحراء ودعم الولايات المتحدة الأمريكية " مقترح الحكم الذاتي الجدي وذي المصداقية والواقعي كأساس وحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع وبأنها لا تزال تؤمن بأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد ذو الجدوى"، مبرز أن "الرئيس دونالد ترامب يحث الأطراف على الانخراط في محادثات من دون تأخير على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول من الأطراف"، وأن " الولايات المتحدة ستعمل على تسهيل إحراز تقدم نحو هذا الهدف".
وتطرق المبعوث الأممي إلى ثلاثة رسائل إضافية،يقول أنها وصلته من السلطات الأمريكية في ضوء زيارة الوزير بوريطة لواشنطن ،في مقدمتها أنه" يجب أن يكون الحكم ذاتي أصيلا وهذا يعكس إيمانه وطلبه المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحتاج إلى تفسير بتفصيل أكثر وأن يتم توضيح الصلاحيات التي تعود للصحراء الغربية المتمتعة بالحكم الذاتي ".
تأكيد وحدانية مبادرة الحكم الذاتي قبل تفسيرها
والواقع أن طلب تفسير المبادرة المغربية للحكم الذاتي قبل الشروع في التفاوض حولها، لا يقوم على أساس صحيح، لأن من المفروض أن تبادر الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن إلى تأكيد وحدانية خيار الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء وتجمع الأطراف المعنية للتفاوض حول تفاصيلها في إطار السيادة المغربية، علما أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب للأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007 تتضمن تفاصيل قابلة للتفاوض حول تمكين سكان المنطقة من تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية ،في إطار السيادة الوطنية.
ومن سداد الموقف أن بلادنا لا ترى أية فائدة في تقديم تفاصيل أكثر عن المبادرة التي تحظى بدعم دولي كبير، في غياب حمل الأطراف الأخرى على الموافقة على التفاوض فقط على الحكم الذاتي.
الحكم الذاتي يضمن الحق في تقرير المصير
ويعترف دي ميستورا في إحاطته بأن الحكم الذاتي يضمن الحق في تقرير المصير ،خلافا لما يدعيه خصوم المغرب، بإشارته إلى أن الرسالة الثانية، التي توصل بها "مرتبطة بحل مقبول من الأطراف، وهذا يذكرنا بأن مفاوضات حقيقية بين الأطراف المعنية ضرورية للتوصل إلى حل، سيشمل في الوقت المناسب صيغة ذات مصداقية لتقرير المصير"، علما أن المبادرة المغربية تنص في مادتها 27 على أن" یكون نظام الحكم الذاتي للجھة موضوع تفاوض، ویطرح على السكان المعنیین بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة دیمقراطیة. ویعد ھذا الاستفتاء، طبقاً للشرعیة الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعیة العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن ھؤلاء السكان، لحقھم في تقریر المصیر".
وارتباطا بجهود الأمم المتحدة ،استحضر دي ميستورا في الرسالة الثالثة اعتزام الإدارة الأمريكية الجديدة الانخراط مباشرة لتسهيل حل متفق عليه بين الأطراف، داعيا إلى دعم مثل هذا الانخراط والإلحاح عليه، للمساهمة في تهدئة الأوضاع في المنطقة، مع البحث في الوقت نفسه على حل قضية الصحراء.
الجزائر الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل
ويبرز دي ميستورا بوضوح في إحاطته أن الجزائر طرف أساسي في النزاع المفتعل، بتأكيده أن الانخراط الدبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا العضوين الدائمين في مجلس الأمن أظهر الاهتمام المتجدد بفرص البحث عن حل كما سلط الضوء على المخاطر القائمة، ارتباطا ب"غياب أي تحسن في العلاقات الجزائرية المغربية، بل العكس هو الحاصل تماما"، مؤكدا أن" مثل هذا التحسن يعد شرطا ضروريا لتفادي خطر اندلاع نزاع إقليمي، بالنظر إلى التوترات المستمرة وغياب اتصالات دبلوماسية وإغلاق الحدود والزيادة الكبيرة في مشتريات الأسلحة العسكرية المتطورة والنفقات الملحقة بها".
والملاحظ أن الإحاطة لم تشر في هذا الشأن إلى أي دور لميليشيات البوليساريو في التهدئة، لإدراك الجميع أنها تنفذ أوامر النظام الجزائري وأن خرقها وقف إطلاق النار منذ نونبر 2020، لم يغير بشهادة رئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو أخيرا أمام مجلس الأمن، الوضع ميدانيا.
وبهذا التشخيص، يتبين أن الجزائر كانت ولا تزال، هي الطرف الذي افتعل النزاع حول قضية الصحراء ويغذيه، من قبيل لجوئها إلى التسلح المفرط، بتخصيص 25 مليار دولار لميزانية الدفاع لهذه السنة، تحذو نظامها عقيدة الهيمنة ونزعة إدخال المنطقة في المزيد من التوتر والفتن. لذلك يرى المبعوث الأممي أن "الثلاثة أشهر المقبلة تشكل فرصة لتقييم كيف يمكن لزخم جديد قائم على انخراط نشط ومتجدد من بعض أعضاء مجلس الأمن، بمن فيهم الأعضاء الدائمين، أن تسهم في تهدئة إقليمية وفي الوقت نفسه إطلاق خريطة طريق جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء".
المغرب سجل قضية الصحراء في 1963
وجانب دي ميستورا الصواب عندما ذكر أن سنة 2025 تمثل الذكرى الخمسين لإدراج قضية الصحراء على جدول أعمال الأمم المتحدة، متناسيا أن المغرب الذي تعرض بعد استقلاله في 1956 لمناورات إسبانيا ورفضها الاستجابة لطلبه الجلاء من الصحراء واستعادتها إلى حظيرة الوطن، هو الذي كان وراء تسجيل قضية الصحراء في الأمم المتحدة في سنة 1963، قبل عقد من إشهار النظام الجزائري ورقة الانفصال، بيافطة البوليساريو، لمعاكسة حق المغرب في وحدته الترابية.
ورغم بعض الهفوات المسجلة في إحاطته، لا بد من التنويه بأن السيد دي ميستورا لم يطرح فيها إمكانية تجريب أية مقاربة فاشلة لإيجاد حل للنزاع الإقليمي، داعيا الأمم المتحدة والأطراف المعنية إلى استكشاف خارطة طريق جديدة قوامها الحكم الذاتي المتفق عليه ولا شيئ غيره، في إطار السيادة المغربية.
حسن عبد الخالق/ سفير سابق