أولى المؤاخذات على دي ميستورا هي تغييبه المقصود لمسؤولية الجزائر، رغم كونها الطرف الرئيسي في هذا النزاع المفتعل. فبينما يتحدث عن التوترات الإقليمية، يكتفي بالإشارة إلى "انعدام الاتصال الدبلوماسي" و "شراء الأسلحة"، دون الإشارة إلى أن الجزائر هي الحاضن والداعم والممول الرئيس لجبهة البوليساريو، ورافضة لأي حل خارج منطق الانفصال.
ثم تأتي اللغة العاطفية المبالغ فيها، حيث اقتبس شهادة شابة من مخيمات تندوف قالت: "عندما أموت، لا أريد أن أُدفن هنا. أريد أن أُدفن في وطني."
ورغم الألم الإنساني المفهوم في مثل هذه العبارات، فإن استخدامها في إحاطة رسمية أمام مجلس الأمن يعتبر منزلقا دبلوماسيا خطيرا، إذ يمرر رسالة ضمنية بأن سكان المخيمات محرومون من "وطنهم"، وهو ما يجعله يتبنى خطاب طرف على حساب آخر.
وما يزيد الطين بلّة هو تجاهل دي ميستورا التام للانتهاكات الحقوقية في مخيمات تندوف: من تقييد للحريات، وتجنيد للأطفال، إلى غياب تام لأي مراقبة دولية مستقلة. هذه الانتهاكات معروفة وموثقة، لكن دي ميستورا اختار السكوت عنها، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى التزامه بطرح الصورة الكاملة أمام مجلس الأمن.
أما بالنسبة للجانب المغربي، فرغم الإشادة السريعة بمبادرة الحكم الذاتي واعتبارها "جدية"، لم يمنحها دي ميستورا الحجم الذي تستحقه، ولم يبرز جهود المغرب التنموية الكبيرة في أقاليمه الجنوبية، ولا المشاركة الفعلية لسكان الصحراء في تدبير شؤونهم من خلال الانتخابات والمؤسسات. بل الأخطر من ذلك، أنه تحدث عن ضرورة "آلية موثوقة لتقرير المصير"، دون توضيح طبيعتها، مما يعيد فتح الباب - نظريا - على سيناريوهات تجاوزه الزمن، مثل استفتاء ثبت استحالته سياسيا ولوجستيا وقانونيا.
إن السيد دي ميستورا لا يظهر منحازا من حيث الشكل ولكن خطابه يعاني من اختلال في الميزان بين الواقعية السياسية والمواقف الإنسانية. وإذا استمر في الترويج لعاطفة طرف دون عرض حقائق الطرف الآخر، فإن مصداقية الأمم المتحدة نفسها ستكون على المحك والحياد لا يعني الحياد في العبارات فقط، بل في تقديم الصورة الكاملة بكل جوانبها.