أتذكر أن الحديث عن مباراة الديربي كان ينطلق قبل أسبوعين أو أكثر.. أينما حللت تجد أن الديربي هو موضوع الساعة، في "رأس الدرب"، في المدرسة، في العمل، عند الحلاق...
وبالحديث عن الحلاق، كنت أحب الذهاب عند إبراهيم وعزيز، الذين كانا يتقاسمان محل حلاقة صغير الحجم بحي "لقطع ولد عايشة"، قبل فترة قصيرة من الديربي.
عندما تدخل إلى المحل، تجد في اليمين الركن الخاص بإبراهيم، حيث يضع صورا لتشكيلة الرجاء، يمكنك أن ترى توتية وخاليف ومساليك والزراف والنجاري والغرشي ومنصاح... أتذكر خلال فترة التسعينات أنه كان يلصق صورا للظلمي وعبد الرحيم، ولاحقا بصير وهو يرفع أصابعه الخمسة في الهواء.
في جهة الشمال، يضع عزيز صورة لتشكيلة الوداد المرعبة التي كانت تضم الداودي وأبرامي وموسى نداو وامجيد وبنعبيشة وفاسيلي وفخر الدين والآخرين، وصور لقناطر صغيرة.
كنا نعيش كوداديين ورجاويين ديربيا مصغرا في محل إبراهيم وعزيز، حيث "الشدان" الجميل والخفيف و"الكلاشات" التي لم تكن تتجاوز الحدود.
قبل الديربي كل طرف يتوعد الآخر، والجميل أننا كنا نرى ثنائيات جميلة، مثل فخر الدين ومساليك، الداودي وعبد الرحيم، أبرامي وفتحي جمال، ولاحقا الشبوكي والرياحي وصابر وبصير وغيرها...
بعد الديربي كنا نبحث "بالريق الناشف" عن صور "البيض"، وكانت تباع بدرهمين قبل أن يرتفع سعرها بالتدريج، قبل ظهور الهواتف الذكية وعصر الديجيتال.
كان للمشجع الودادي ألبوم صور للاعب مجيد يتجاوز خاليف بأناقة، والنيبت يمسح دموع بصير، وأبرامي "يبيض" قاسيمي، وبنشريفة يمزق شباك الرجاء.
كان الرجاوي يفتخر بصورة بصير وهو يتغنى بالخماسية ورضا الرياحي بقنطرته الصغيرة أمام الشبوكي، ونزير وهو يتخطى أبرامي ببراعة والحارس عشاب وهو يجلب الكرة من داخل الشباك.
كان كل شيء جميلا، كان هواء الدار البيضاء مختلفا تماما صباح الديربي، كنا نقتنتي تذاكرنا فور طرحها للبيع بمحل الحريري ببني مكيلد في حي درب السلطان.
كنا نستيقظ مبكرا يوم المباراة ونقف في طوابير طويلة منذ الصباح الباكر أمام مركب محمد الخامس لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، بعد أن نأخذ معنا ما تيسر من ساندويتشات من عند بوكاديوس أمين وعبدو وسعد في شارع واطو، ثم نكمل الطريق مشيا عبر شارع بئر أنزران.
كنا نسير في اتجاه الملعب وداديين ورجاويين، كل بلونه المفضل في أمن وأمان، ونفترق أمام باب "دونور"، ثم نلتقي بعد المباراة، وكان الفائز لا يدخر جهدا في السخرية من المنهزم، وكان "الشدان" يتواصل لأسبوع كامل بعد الديربي.
كان الاستوديو التحليلي في "رأس الدرب" أمرا ضروريا بعد المباراة، ونتحدث عن "بيضة" أو مراوغة ما، ثم ندخل إلى بيوتنا لمشاهدة ملخص المباراة في برنامج العالم الرياضي على القناة الأولى.
اليوم، تجرى مباراة الديربي في أجواء كئيبة، بعدما اغتيل الشغف وصارت مباراة مثل باقي المباريات.. بفعل فاعل طبعا.
رضى زروق، صحافي رياضي