يُعد بيتر نافارو أحد أبرز العقول التي شكّلت توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسات التجارية، سواء في ولايته الأولى (2017-2021) أو في ولايته الثانية التي انطلقت عام 2025. يُعرف بلقب “مهندس الرسوم الجمركية”، لما له من تأثير مباشر على اعتماد سياسة حمائية تقوم على فرض ضرائب على الواردات، بهدف إعادة التوازن التجاري وتعزيز الصناعة الأمريكية، لا سيما في مواجهة التصاعد الاقتصادي الصيني.
نافارو هو اقتصادي أمريكي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، وشغل منصب أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة كاليفورنيا. برز اسمه منذ سنوات بسبب انتقاداته الشديدة للعولمة واتفاقيات التجارة الحرة مثل اتفاقية “نافتا”، التي رأى فيها سببًا رئيسيًا في تآكل الطبقة العاملة الأمريكية وفقدان الوظائف الصناعية. خلال حملة ترامب الانتخابية عام 2016، التحق نافارو بالفريق الاستشاري، حيث التقت أفكاره الاقتصادية مع شعار “أمريكا أولًا”، ليصبح لاحقًا رئيسًا للمجلس الوطني للتجارة ومهندسًا فعليًا لسياسات فرض الرسوم الجمركية.
في الولاية الأولى، قاد نافارو جهود فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، إلى جانب فرض رسوم على بضائع صينية بلغت قيمتها 380 مليار دولار، ما أشعل شرارة حرب تجارية حادة بين واشنطن وبكين. وفي عهد ترامب الثاني، تعاظم نفوذ نافارو، وكان وراء إعلان الرئيس في أبريل 2025 عن رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، مع زيادات إضافية تصل إلى 34% على الواردات القادمة من الصين.
بالنسبة لنافارو، تمثل هذه السياسات وسيلة حيوية لتقليص العجز التجاري الأمريكي، الذي بلغ 1.2 تريليون دولار في عام 2024، كما يرى فيها أداة ضرورية لإنعاش التصنيع المحلي وإعادة التوازن بين الداخل والخارج في الاقتصاد الأمريكي. لكن هذه التوجهات لم تمر من دون انتقادات واسعة.
تشكل كتابات نافارو مرآة واضحة لأفكاره الصدامية، وعلى رأسها كتابه الشهير “الموت على يد الصين” (Death by China) الصادر عام 2011، حيث قدّم تحليلاً هجوميًا على السياسات التجارية الصينية، واتهم بكين بالتلاعب في العملة، وتخريب الصناعات الأمريكية من خلال ممارسات إغراقية منظمة. هذا الكتاب أصبح لاحقًا مرجعًا أساسيًا للخطاب الحمائي الذي تبناه ترامب في البيت الأبيض.
ورغم تأثيره الكبير في صياغة توجهات التجارة الأمريكية، إلا أن نافارو يواجه انتقادات حادة من أوساط أكاديمية وتجارية. من بين أبرز المنتقدين له، إيلون ماسك، الذي اعتبر أن مقاربة نافارو تتجاهل التشابكات العميقة في سلاسل الإمداد العالمية، وأن فرض الرسوم على الواردات قد يُلحق الضرر بالشركات الأمريكية نفسها. ومع ذلك، يظل نافارو رمزًا قويًا للتيار الحمائي الذي يزداد صعودًا في الولايات المتحدة، فهو بالنسبة لأنصار الحماية الاقتصادية رجل دولة يدافع عن المصالح الوطنية، وبالنسبة لمعارضيه، مغامر يقود الاقتصاد نحو انعزال ضار.
يبقى بيتر نافارو شخصية محورية في فهم التحولات الجذرية التي تشهدها السياسة الاقتصادية الأمريكية في عهد ترامب، وهو مثال على كيف يمكن لأفكار اقتصادية متشددة أن تنتقل من هوامش الأكاديميا إلى صلب القرار السياسي، مؤثرة في مسار الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.