سخاء مراعي النحل يفيض "عسلا" بحقول أراضي الرحامنة

سخاء مراعي النحل يفيض "عسلا" بحقول أراضي الرحامنة جانب من حقول الرحامنة
هي سبع سنوات عجاف متتالية لم نرى فيها كسوة طبيعية تدثر حلة الأراضي الزراعية بمختلف ألوان وأنواع الأزهار والنباتات الجميلة التي فاضت بها تربة عانت من شح التساقطات المطرية، فأرادها القدر أن تعيد ترتيب استقبال قدوم تفاصيل فصل الربيع.

على إيقاع موسيقى انطلاق القطار الرابط بين أسفي واليوسفية وابن جرير، ومن واجهة يمين نوافذ المقطورات كانت عيون المسافرين منبهرة وهي ترمق وتحدق بتركيز شديد على مشاهد لوحات تشكيلية غاية في الجمال أبدعتها الطبيعة بسخاء قل نظيره. مساحات طويلة وعريضة من الأراضي بمجال الرحامنة وتحديدا من منطقة "نْزَالَتْ الْعَرْيَةْ" وكأنها تسابق سرعة قطار المسافرين، مكسوة باللون الأبيض والأخضر والأصفر والأحمر والبرتقالي بل كانت بعضها تجمع بين تشكيلات من هذه الألوان الزاهية التي تسر الناظرين، وتقدم الكلأ والعشب للطيور والحشرات ورؤوس المواشي على قلتها.

كانت النساء المسافرات عبر القطار رفقة أطفالهن تشرح وتفسر معاني أسماء كل النباتات والأزهار وألوانها التي يجهلها أبنائهن بفعل توالي سنوات الجفاف والقحط...هذا هو ربيع "الكركاز" باللون الأصفر وتلك النبتة اسمها "شوال لخروف" أما هناك فتوجد أزهار وورود "الجمرة" وهذه "الحميضة" وهذا هو "بلعمان" بلونه الأحمر وهناك "الخبيزة".

هنا والآن نستشهد بتدوينة أحد الأصدقاء الذي استمتع بهذه المشاهد الطبيعية الزاهية بقوله: "في قلب الطبيعة الهادئة، حيث تنساب مياه الآبار لتروي الأرض، يتنقل زقاق العصافير بين الأشجار، وتملأ المكان بأصواتها العذبة. هذا المشهد البسيط يعكس التناغم بين الإنسان والطبيعة، حيث تتلاحم عناصر الحياة الريفية في جمالٍ عتيق، يحكي قصة الأرض وحياة من يعيشون فيها، ويُظهر جمال الهدوء والسكينة التي لا يدركها إلا من يعيش في أحضان الطبيعة".

تأخر التساقطات المطرية خلال الموسم الفلاحي الحالي عطل عملية الحرث مع حلول توقيت ما نسميه ب "حلان الزريعة" لأن الفلاح البسيط لم يعد يحتمل مدة سبع سنوات متتالية "انفاق ثمن عملية الحرث واقتناء الحبوب دون أي محصول زراعي في غياب الدعم للفلاحة البورية"...لكن ورغم ذلك فإن معظم المواطنين بالعالم القروي يشعرون بالإطمئنان والراحة النفسية حين جادت السماء بالأمطار وانتعشت الفرشة المائية وأحيت جداول الأنهار والوديان وامتلأت "لمطافي" الخزانات المائية وتدفقت عيون الآبار.

عبر نوافذ مقطورات قطار المسافرين سجلنا بفرح تقاطر العشرات من مربي النحل، - تعاونيات الاقتصاد التضامني والاجتماعي - وقد صففوا صناديق خلايا النحل وسط بساتين الأزهار والنبتات والأعشاب العطرية المختلفة، فاسحين المجال للنحل كي يرعى ويمتص رحيق ربيع "الكركاز والجمرة وبلعمان..." وغيرها من النباتات التي تقدم نفسها كغذاء لإنتاج العسل.

سبع سنوات عجاف كانت امتحانا عسيرا للفلاح والكساب البسيط بالعالم القروي عانى خلالها كل أشكال الفقر الحاجة وانسداد الأفق وتكبد فيها خسائر لا تحصى ولا تعد...وفقد خلالها أيضا أعز ما يملك من رؤوس الأغنام والأبقار والدواجن وفقد معها لذة العيش والحياة التي اعتاد عليها في حضن الطبيعة والفلاحة البورية التي تحتاج اليوم التفاتة خاصة بعيدا عن سياسة المخططات الخضراء والزرقاء التي استنزفت الثروة البحرية والبرية.