الصديقي: خريطة المنشآت الاقتصادية في 2023-2024.. هيمنة القطاع الثالث والمقاولةً الصغيرة

الصديقي: خريطة المنشآت الاقتصادية في 2023-2024.. هيمنة القطاع الثالث والمقاولةً  الصغيرة عبد السلام الصديقي
في إطار الأعمال التحضيرية للإحصاء العام للسكان والسكنىً 2024، أعدت المندوبية السامية للتخطيط خريطة المنشآت الاقتصادية 2023/2024، والتي تم مؤخرا نشر نتائجها التفصيلية، باستثناء القطاع الزراعي.  

ويعد هذا العمل، المبني على إحصاء شامل، هو الثاني من نوعه بعد عمل 2001-2002 الذي تم إجراؤه في أعقاب الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2004  . وغني عن البيان  أن هذه التقارير تكتسي أهمية استراتيجية لبلادنا. إنها وسيلة لصانعي القرار العموميين  لتحديد سياستهم التنموية؛ وللمستثمرين من القطاع الخاص اكتشاف فرص الاستثمار؛ وأن تعرف الشركات القائمة وزنها الاقتصادي وتحدد أهدافها بناء عليه؛ للباحثين من خلال الحصول على مؤشرات  موثوق بها وجدية  لإجراء دراساتهم وتحليلاتهم؛  للمنظمات الدولية وشركاء المغرب من خلال توفير معلومات ذات مصداقية  تحت تصرفهم. لقد تم  عرض نتائج هذا الإحصاء على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي، حسب الموقع ومقاربةً النوع  والفئات الاجتماعية المهنية والقطاعات وفروع النشاط.

“الهدم الخلاق "
علاوة على ذلك، تتجلى فائدة   هذا العمل في  مستويين . فهو لا يسمح لنا بمعرفة البنيان  الاقتصادي كما هو في عام 2024 فحسب، بل يسمح لنا أيضًا بإجراء تحليل ديناميكي من خلال مقارنة هذه النتائج بالوضع في عام 2002. مع العلم أن هذه المقارنة ليست ممكنة دائمًا لأن القواعد المعتمدة  ليست هي نفسها دائمًا.  على سبيل المثال، تغير التقطيع الجهوي  والإداري خلال هذه الفترة : من 16 جهةً في عام 2002، انتقلنا  إلى 12 جهة  منذ عام 2015، كما  ظهرت أقاليم  وعمالات  جديدة. وينطبق الشيء نفسه على تسميات الأنشطة التي تختلف بين التعدادين، حيث تختفي أنشطة معينة وتظهر أخرى وفقا لنظرية شومبيتر في” الهدم  الخلاق”... ورغم هذه الصعوبات، سنلجأ كلما أمكن، إلى مقارنة المعطيات المتعلقة بالتعدادين من أجل فهم أفضل لتحولات المجتمع والاقتصاد المغربي وإبراز عوامل  الانسداد والجمود.
 
وهكذا تم، خلال الفترة 2023/2024، إحصاء 1130021 مؤسسة اقتصادية هادفة للربح على مستوى التراب الوطني (مقابل 751000 مؤسسة خلال الفترة 2001-2002). وتشغل  هذه المنشآت بشكل دائم ما يقرب من 3.6 مليون شخص (مقارنة بـ 2.24 مليون عام 2001-2002)، أي بمعدل 3 عمال دائمين لكل منشأة، وهي نسبة ثابتة تقريبا مقارنة بعام2002. والقطاع الأكثر استخداما للعمالة خلال هذه الفترة هو قطاع الخدمات، الذي يمثل 36.0% من إجمالي القوى العاملة  في جميع قطاعات النشاط، تليها الصناعة. (29.8%)، التجارة (29.6%)، البناء (4.6%).  وإذا قمنا بدمج التجارة في الخدمات، وهذا أمر منطقي، نحصل على نسبة 65.6%. تختلف بيانات عام 2022 قليلاً: التجارة تأتي  في المقدمة بنسبة 56%، تليها الصناعة (37%)، والبناء (8%). وهو ما يظهر بوضوح أن النسيج الاقتصادي لم يشهد تحولاً كبيراً خلال العقدين الماضيين باستثناء ظهور «مهن عالمية جديدة» مثل السيارات والطيران والإلكترونيات.

هيمنة القطاع الثالث 
وهكذا نرى تفاقمًا في التحول إلى القطاع  الثالث للاقتصاد على حساب القطاعات الإنتاجية. ويشكل قطاع التجارة، الذي يمثل أكثر من نصف الوحدات الإنتاجية (52%)، الركيزة  الأولى للمنشآت الاقتصادية، حيث يبلغ حجم الوظائف الدائمة 1,062,242 وظيفة، بمعدل نمو سنوي متوسط ​​قدره 1.6% منذ عام 2002. يليه قطاع الخدمات الذي يمثل أكثر من 31% من إجمالي المنشآت و36% من الوظائف الدائمة، مسجلاً معدل نمو سنوي متوسط ​​قدره 3.7%. منذ عام 2002. وبعبارة أخرى، تهيمن مؤسسات القطاع الثالث على النسيج الاقتصادي (82% من جميع المنشآت)، والتي تضم  ثلثي القوى العاملة.

ويمثل القطاع الصناعي بدوره 14% فقط من إجمالي عدد المنشآت الاقتصادية. في حين ، يعتبر هذا القطاع مزودا لفرص الشغل في القطاع الخاص بالمغرب، حيث يوفر ما يقارب 1,067,872 منصب عمل دائم، أي ما يقارب ثلث (29,8%) إجمالي حجم العمالة  في جميع المؤسسات الاقتصادية في البلاد.

أما بالنسبة للمنشآت التي تمارس أنشطتها الاقتصادية في قطاع البناء والتشييد، فإن بيانات هذه العملية تكشف عن انخفاض المساهمة سواء من حيث عدد المنشآت (3.5%) أو من حيث التشغيل (4.6%).

هيمنة المقاولةً  الصغيرة
علاوة على ذلك، فإن 87% من المنشآت تقع في المناطق الحضرية مقابل 13% في المناطق الريفية. ومن حيث القوى العاملة المستخدمة، تساهم وحدات الإنتاج الموجودة في المناطق الحضرية بنسبة 86% مقابل 14% لتلك الموجودة في المناطق الريفية. ومرة أخرى، تظل  هذه البنية  قريبة من تلك التي كانت سائدة   في عام 2002، أي 84%، 16%، 89% و11% على التوالي.

وتهيمن المؤسسات الصغيرة بقوة على هذا النسيج الاقتصادي. وبذلك فإن المنشآت التي يعمل بها أقل من 10 عمال  دائمين تمثل 97% من المجموع  وتشغل  54% من إجمالي اليد  العاملة. في المقابل تمثل المنشآت التي يعمل بها 10 أشخاص  فأكثر ما يقارب 3% من إجمالي المنشآت و 46% من إجمالي عدد العاملين الدائمين. ومرة أخرى، لم تشهد ملامح النسيج الاقتصادي تحولاً ملحوظاً مقارنة ببيانات الفترة 2001-2002. حيث تمثل  الوحدات التي تشغل  أقل من 10 عمال 98% من المجموع  و 65% من القوى العاملة.

تشغيل  المرأة يتقدم ولكنه بوتيرة ضعيفة..
وإن ظل التشغيل حكرا على  الذكور في المقام الأول، فينبغي لنا مع ذلك أن نشير ألى  التقدم الحاصل  في مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. وبينما كانت حصة النساء العاملات لا تكاد تبلغ 17.5% من إجمالي العاملين عام 2001-2002، أي أقل من 400 ألف عاملة، إلا أنها ارتفعت إلى 27,7 في المائة خلال 2023-2024  مسجلة بذلك زيادة بعشر نقاط.  وبالرغم من  هذا التقدم فهو  غير كاف بالنظر إلى ضعف معدل النشاط ومعدل التشغيل  مقارنة بالدول المماثلة. كما أن القطاع المفضل لتوظيف الإناث هو الخدمات حيث يمثل تواجد المرأة ثلث الوظائف.
 
وفي هذا القطاع نجد أيضًا المزيد من المديرات (ربات  الأعمال)، مع العلم أن 10% من المؤسسات في المتوسط ​​تديرها نساء، منها 91% عبارة عن وحدات صغيرة تشغل  أقل من 4 أشخاص. ويبلغ متوسط ​​عدد الوظائف لكل منشأة تديرها امرأة  2.5 فقط.

ديناميات ترابية محدودة
وأخيرا، فيما يتعلق بالديناميكيات الترابية،  تميل الأنشطة الاقتصادية إلى الهجرة من المراكز التقليدية إلى مراكز التسوق الحديثة. ومن ناحية أخرى، لم تشهد المناطق الصناعية سوى ديناميكيات ضعيفة مقارنة بعام 2002 إلى حد أن الموقع المفضل للنشاط يظل المنطقة الحضرية. وهكذا، في عام 2002، كانت المدينة الجديدة تضم لوحدها  61% من المنشآت و58% من العاملين. وفي عام 2024، ستأوي المنطقة السكنية الحضرية 73% من الوحدات الاقتصادية و60% من الوظائف.وهذه  ظاهرة تلفت الأنظار عندما نتجول  في مدننا.